للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القبائح، ويجاب عن استشكال كونه النميمة من الصغائر بأن الإصرار عليها المفهوم هنا من التعبير بكان المقتضية له يصير حكمها حكم الكبيرة، ولا سيما على تفسيرها بما فيه وعيد شديد, ووقعت في حديثي أبي بكرة عند الإمام أحمد والطبراني بإسناد صحيح: "يعذبان وما يعذبان في كبير، وبلى وما يعذبان إلا في الغيبة والبول" بأداة الحصر، وهي تنفي كونهما كافرين؛ لأن الكافر وإن عذب على ترك أحكام المسلمين فإنه يعذب مع ذلك على الكفر بلا خلاف، وبذلك جزم العلاء بن العطار وقال: لا يجوز أن يقال إنهما كانا كافرين؛ لأنهما لو كانا كافرين لم يدع لهما بتخفيف العذاب عنهما ولا ترجاه لهما.

وقد ذكر بعضهم السر في تخصيص البول والنميمة بعذاب القبر، وهو أن القبر أول منازل الآخرة، وفيه نموذج ما يقع في القيامة من العقاب والثواب، والمعاصي التي يعاقب عليها يوم القيامة نوعان: حق لله، وحق لعباده، وأول ما يقضى فيه من حقوق الله عز وجل الصلاة، ومن حقوق العباد الدماء، وأما البرزخ فيقضى فيه مقدمات هذين الحقين ووسائلهما، فمقدمة الصلاة الطهارة من الحدث والخبث، ومقدمة الدماء النميمة، فيبدأ في البرزخ بالعقاب عليهما "ثم دعا" صلى الله عليه وسلم "بجريدة" من جريد النخل التي ليس عليها ورق فأتي بها "فكسرها كسرتين" بكسر الكاف تثنية كسرة، وهي القطعة من الشيء المكسور، وقد تبين من رواية الأعمش الآتية إن شاء الله تعالى أنها كانت نصفين، وفي رواية جرير عنه باثنتين "فوضع" النبي صلى الله عليه وسلم "على كل قبر منهما كسرة" وفي الرواية الآتية فغرز، وهي تستلزم الوضع دون العكس "فقيل له يا رسول الله" ولابن عساكر فقيل: يا رسول الله "لم فعلت هذا" لم يعين السائل من الصحابة "قال" صلى الله عليه وسلم "لعله أن يُخَفَف" بضم أوله وفتح الفاء أي العذاب، وهاء لعله ضمير الشأن وجاز تفسيره بأن وصلتها لأنها في حكم جملة، لاشتمالها على مسند ومسند إليه، ويحتمل أن تكون زائدة مع كونها ناصبة، كزيادة الباء مع كونها جارة، قاله ابن مالك، ويقوي الاحتمال الثاني حذف إن في الرواية الآتية حيث قال: "لعله يخفف عنهما" أي المعذبين "ما لم تيبس" بالمثناة الفوقية بالتأنيث باعتبار عود الضمير فيه إلى الكسرتين، وفتح الموحدة من باب علم يعلم، وقد تكسر وهي لغة شاذة، وفي رواية الكشميهي إلا أن تيبس بحرف الاستثناء، وللمستملي إلى أن ييبس بإلى التي للغاية، والمثناة التحتية بالتذكير باعتبار عود الضمير إلى العودين؛ لأن الكسرتين هما العودان، وما مصدرية زمنية إلى مدة دوامها إلى زمن اليبس المحتمل تأقيته بالوحي كما قاله المازري، لكن تعقبه القرطبي بأنه لو كان بالوحي لما أتى بحرف الترجي، وأجيب بأن لعل هنا للتعليل، أو أنه يشفع لهما في التخفيف هذه المدة كما صرح به في حديث جابر، على أن القصة واحدة كما رجحه النووي، وفيه نظر، لما في حديث أبي بكرة عند الإمام أحمد والطبراني أنه الذي أتى بالجريدة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه الذي قطع الغصنين، فدل ذلك على المغايرة، ويؤيد

<<  <   >  >>