للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي قبض بسطة وجوه القلوب، فلم يبق للعاقل خطر فيما زاد على كسرة تكسر شهوته، وسترة تواري عورته، وما زاد متجر إن أتفقه ريحه، وإن ادخره خسره، وفيه حجة لمن فضل الفقر على الغنى. وقد أفاد مطلع الحديث أن الصحة نعمة عظيم وقعها، جزيل نفعها، بل هي أجل النعم على الإطلاق، وفي إشعاره إعلام بأن العالم ينبغي له ألا يغفل عن وعظ الناس، إذ الإنسان لما جبل عليه من الغفلات لا بد له من ترغيب يشده، وترهيب يرده، ومواعظ ترققه، وأعمال تصدقه، وإخلاص يحققه، لترتفع أستار الغيبة عن عيون القلوب، وتكسب الأخلاق الفاضلة لتصقل الصداء عن مرائي النفوس، ولقد هز القلوب بحسن هذا النظم وبلاغة تناسبه، وبداعة ربطه، وبراعة تلاحمه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} ١.

ثم شرح التخريج فقال: "عدهب" وكذا الخطيب وأبو نعيم وابن عساكر وابن النجار "عن ابن عمر" بن الخطاب، ونقله عن ابن عدي، وسكوته عليه يوهم أنه خرجه وسلمه، والأمر بخلافه، بل قال أبو بكر الداهري: أحد رجاله كذاب متروك. وقال الذهبي: متهم بالوضع وهكذا هو في مسند البيهقي، وذكر نحو الحافظ ابن حجر، فكان ينبغي حذفه.

وبعد، فإن التزام المؤلف بشرح ما ورد في الجامع الصغير يدعوه إلى الوفاء بما التزم، فهو يشرح النص الوارد فيه بما يفتح الله به عليه، ويعزز شرحه بما يورده من آيات وأحاديث، وما يذكره من نقول عن العلماء في ذلك، وإن أمانته العلمية لتحتم عليه أن يذكر رأيه في إسناد النص الذي شرحه، ويذكر كذلك رأي علماء الحديث فيه، حتى ولو كانت نتيجة هذه الآراء الحكم بأنه موضوع، وأنه كان ينبغي حذفه كما فعل في هذا الحديث.

هذا هو مسلك المؤلف في شرحه للأحاديث الواردة في الجامع الصغير، وهو -كما يبدو- وافٍ بالغرض مؤدٍ للمقصود، وإن كان لنا من ملاحظة عليه في هذا المسلك فإنما هي في أنه -في الأعم الأغلب- حينما ينقل عن العلماء والسابقين لا يعزز نقله بإسناد، ولا يذكر كتابًا رجع إليه في روايته لهذه النقول.

٢- يورد المؤلف أثناء الشرح فوائد وتنبيهات وتتمات يروي فيها بعض الآثار، أو يذكر فيها نقولًا عن العلماء، أو يحكي قصة أو رؤيا أو غير ذلك.

ومثل هذا ورد في شرحه لحديث: "ابنوا المساجد، وأخرجوا القمامة منها، فمن بنى لله بيتًا بنى الله له بيتًا في الجنة، وإخراج القمامة منها مهور الحور العين" حيث أورد فائدة٢ قال فيها: أخرج أبو الشيخ من مسند عبيدة بن مرزوق: كانت امرأة بالمدينة تقم المسجد فماتت، فلم يعلم المصطفى صلى الله عليه وسلم بها، فمر على قبرها فقال: "ما هذا؟ " قالوا: أم محجن. قال: "التي كانت تقم المسجد؟ " قالوا: نعم، فصل الناس فصلى عليها ثم قال: "أي العمل وجدتِ أفضل؟ " قالوا: يا رسول الله أتسمع؟ فقال: "ما أنت بأسمع منها": ثم ذكر أنها أجابته: "قم المسجد".


١ من سورة الحجر، آية: ٣٧.
٢ فيض القدير: ج١ ص٨٤.

<<  <   >  >>