للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مثل هذا ما أورده من تنبيه وفائدة إثر شرحه لحديث: "أوحى الله تعالى إلى إبراهيم: يا خليلي، حسن خلقك ولو مع الكافر تدخل مداخل الأبرار، فإن كلمتي سبقت لمن حسن خلقه أن أظله في عرشي، وأن أسكنه حظيرة قدسي، وأن أدنيه من جواري".

فقال في التنبيه١: قال الراغب: التخلق والتشبه بالأفاضل ضربان. محمود، وهو ما كان على سبيل الارتياض والتدريب على الوجه الذي ينبغي، وبالمقدر الذي ينبغي، ومذموم؛ وهو ما كان رياء وتصنعًا، ويتحراه فاعله ليذكر به، ويسمى تصنعًا وتشيعًا، ولا ينفك صاحبه من اضطراب يدل على تشيعه.

وقال في الفائدة٢: قال العارف ابن عربي: ينبغي لطالب مقام الخلة أن يحسن خلقه لجميع الخلق: مؤمنهم وكافرهم، طائعهم وعاصيهم، وأن يقوم في العالم مقام الحق فيهم، فإن المرء على دين خليله من شمول الرحمة، وعموم اللطف من حيث لا يشعرهم أن ذلك الإحسان منه، فمن عامل الخلق بهذه الطريقة صحت له الخلة، وإذا لم يستطع بالظاهر لعدم الموجود أمدهم بالباطن فيدعو لهم بينه وبين ربه، وهكذا حال الخليل فهو رحمة كله.

ومثل هذا في الكتاب كثير، ولكن المؤلف رحمه الله لم يكن -فيما يبدو- يتحرى الدقة في كل ما ينقله، ولا يهتم بصحة المنقول في بعض ما يرويه، فقد نرى من بين هذه النقول ما يبدو أنه ملفق، ومتكلف أو مصنوع، بما يحس معه القارئ بأنه ليس بصدد كتاب حديث، وإنما يقرأ كتاب وعظ قد يشبع العاطفة ولكنه لا يرضي العلم، يعتمد في نقوله على ما هو أدخل في باب الترغيب والترهيب.

ومن ذلك ما أورده المؤلف بعد شرحه لحديث: "اتخذوا الغنم فإنها بركة": فقد أورد فائدة٣ قال فيها: حُكي في الوحيد أنه ورد في بعض الآثاء أن الخليل صلى الله عليه وسلم كان له أربعة آلاف كلب في غنمه، في عنق كل كلب طوق من الذهب الأحمر زنته ألف مثقال، فقيل له في ذلك، فقال: إنما فعلت ذلك لأن الدنيا جيفة وطلابها كلاب، فدفعتها لطلابها.

٣- يستدرك على المصنف ما فاته من متن الحديث فينبه إليه، ويصحح روايته: ففي حديث: "أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار، سدوا كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر"٤ أورد تنبيهًا ذكر فيه أن تصرف المصنف بإيراد الحديث على هذا النحو يوهم أن سياق الحديث هكذا فحسب، وقال: إن الأمر بخلافة بل سقط من قلمه بعضه، ولفظه عند مخرجه الذي عزاه إليه "عم عن ابن عباس" "أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار فاعرفوا له ذلك كله، فلو كنت متخذًا خليلًا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلًا"، ثم قال: "سدوا كل خوخة في المسجد، غير خوخة أبي بكر".


١ فيض القدير: ج٣ ص٧١.
٢ نفس المرجع والصفحة.
٣ فيض القدير: ج١ ص١١٢.
٤ فيض القدير: ج١ ص٩٠.

<<  <   >  >>