للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك حديث: "أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة رجل يوضع في إخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه" ذكر فيه المؤلف١ أن المصنف أورده عن مسلم عن النعمان بن بشير الأنصاري ولكن رواية مسلم لفظها من حديث النعمان: "إن أهون أهل النار" وإنما قال: "أهون" في حديث ابن عباس الآتي، فهذا مما لم يحرر فيه المؤلف التخريج.

٤- يزيل ما يبدو بين بعض الأحاديث من تعارض، ويعمل على اتساقها والتوفيق بين بعضها وبعض، أو بينها وبين ما هو معلوم من الدين بنصوص القرآن الكريم.

ومن ذلك ما أورده في حديث: "ابغوني الضعفاء فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم" حيث قال: هذا الحديث وما على منواله: "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم" قد وقع التعارض ظاهرًا بينه وبين خبر مسلم: "المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير"، وعند التأمل لا تدافع؛ إذ المراد بمدح القوة؛ القوة في ذات الله وشدة العزيمة، وبمدح الضعف لين الجانب، ورقة القلب، والانكسار بمشاهدة جلال الجبار، أو المراد بذم القوة التجبر والاستكبار، وبذم الضعيف ضعف العزيمة في القيام بحق الواحد القهار، على أنه لم يقل هنا إنهم ينصرون بقوة الضعفاء، وإنما مراده بدعائهم أو بإخلاصهم أو نحو ذلك.

- ومن ذلك أيضًا ما نقله عن ابن الجوزي في حديث: "أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار" حيث قال٢: وقد أورد ابن الجوزي الحديث في الموضوعات بتوهمه معارضته لحديث أبي بكر مع أنه قد أجمع جمع منهم البزار والكلاباذي والطحاوي بأن سد الأبواب وقع مرتين، ففي الأولى استثنى باب علي؛ لأن بابه كان إلى جهة المسجد، ولم يكن لبيته باب غيره، فلما امروا بسدها سدوها، وأحدثوا خوخًا يستقربون الدخول للمسجد منها، فأمروا بعد بسدها غير خوخة أبي بكر.

وفي حديث: "اتقوا المجذوم كما يتقى الأسد" وفق المؤلف بينه وبين خبر: "لا عدوى ولا طيرة" حيث قال:٣ ولا يناقضه خبر: "لا عدوى ولا طيرة" لأنه نفي لاعتقاد الجاهلية نسبة الفعل لغير الله، فوقوعه بفعله تقدس، أو لأن الطاعون ينزل ببلد فيخرج منها خوف العدوى، وأما المجذوم ومثله المسلول فلم يرد به في هذا الخبر وما أشبهه إلا التحرز عن تعدي الرائحة، فإنها تستقم من أطال اشتمامها باتفاق حذاق الأطباء، وأكل المصطفى صلى الله عليه وسلم معه تارة، وتارة لم يصافحه لبيان الجواز، وصحة الأمر على سالك طريق الفرار وسالك طريق التوكل، ففعل الأمرين ليأخذ من قويت ثقته بريه بطريق التوكل، ومن ضعف بطريق التحفظ، ثم قال: والحاصل أن الأمور التي يتوقع منها الضرر قد أباحت الحكم الربانية التحرز عنها، فلا ينبغي للضعفاء أن يقربوها، وأما أهل الصدق واليقين فبالخيار، وعلى ذلك ينزل ما تعارض من الأخبار.


١ فيض القدير: ج٣ ص٣٨.
٢ فيض القدير: ج٣ ص٩١.
٣ فيض القدير ج١ ص١٣٧.

<<  <   >  >>