للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في سنته الكبرى، وهو عند مسلم وليس فيه ما ذكره المعترض من أن كل داع يبدأ بنفسه، وإنما هو من فعله صلى الله عليه وسلم لا من قوله، وإذا كان كذلك فهو مقيد بذكره صلى الله عليه وسلم نبيًّا من الأنبياء كما ثبت في صحيح مسلم في حديث أبي الطويل، وفيه قال: وكان إذا ذكر أحدًا من الأنبياء بدأ بنفسه: "رحمة الله علينا وعلى أخي" فأما دعاؤه لغير الأنبياء فلم ينقل أنه كان يبدأ بنفسه، وذكر حديث ابن عباس: "يرحم الله أم إسماعيل ... " إلخ وحديث الصحيحين أنه سمع رجلًا يقرأ في سورة بالليل فقال "يرحمه الله" وشاهدًا آخر، ثم قال: فظهر أن بدءه بنفسه في الدعاء كان فيما إذا ذكر نبيًّا من الأنبياء، على أنه أحيانًا كان لا يذكر نفسه كقوله: "يرحم الله لوطًا" وقوله: "يرحم الله موسى".

وإلى هذا الحد سكت العراقي ولم يذكر النتيجة، وواضح أنها تصويب لابن الصلاح في مسلكه وأنه لم يخالف السنة.

والاعتراض الثاني: ما نقله من كون الحديث ينقسم إلى هذه الأقسام الثلاثة ليس بجيد، فإن بعضهم يقسمه إلى قسمين فقط: صحيح وضعيف، وسيأتي للمصنف النص على أن من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن، وهو الظاهر من كلام الحاكم، فكان ينبغي الاحتراز عن هذا الخلاف هنا، والجواب:١ أن ما نقله المصنف عن أهل الحديث قد نقله عنهم الخطابي صراحة في خطبة معالم السنن -وساق عبارة الخطابي- ثم قال: ولم أر من سبق الخطابي إلى هذا التقسيم، وإن كان في كلام المتقدمين ذكر الحسن، ولكن الخطابي نقل التقسيم عن أهل الحديث وهو إمام ثقة، فتبعه المصنف على ذلك هنا، ثم حكى الخلاف في الموضوع الذي ذكره فلم يهمل حكاية الخلاف.

٢- ذكر ابن الصلاح في المرسل صورة قال: إنه لا خلاف فيها بين العلماء، وهي حديث التابعي الكبير الذي لقي جماعة من الصحابة ... إلخ، ومثل لهذا التابعي بعبيد الله بن عدي بن الخيار، فاعترض عليه بأن عبيد الله بن عدي ذكر في جملة الصحابة فليس من التابعين٢.

ورد ذلك الحافظ العراقي بأن الاعتراض ليس بصحيح، وبرهن على ذلك بأنهم إنما ذكروه جريًا على قاعدتهم في ذكر من عاصر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن عبيد الله ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وضرب لذلك بعض الأمثلة ثم قال: إن عبيد الله بن عدي روى عن عمر وعثمان وعلي في آخرين.

٣- قال ابن الصلاح في الحديث المعلل: ويسميه أهل الحديث المعلول، وذلك منهم ومن الفقهاء، في قولهم في باب القياس: العلة والمعلول مرذول عند أهل العربية واللغة٣.


١ التقييد والإيضاح ص١٩.
٢ التقييد والإيضاح ص٧٠ وما بعدها.
٣ التقييد والإيضاح ص١١٥ وما بعدها.

<<  <   >  >>