للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولعل القارئ يرى أنني لم أقتصر في دراسة أي موضوع على مرجع واحد، وإنما طلبته من عدة مراجع، تحقيقًا للعلم، وزيادة في الاطمئنان والتثبت، وربما استدعاني هذا إلى بحث عدة أسفار، أستغرق فيها وقتًا طويلًا أصل فيه الليل بالنهار في محاولة التأكد من جزئية صغيرة تتصل بعلم من أعلام الحديث، أو بمدونة من المؤلفات في السنة، حتى أصل إلى مظنته، ثم أواصل البحث في هذه المظنة حتى أطمئن إلى تحقيق تلك الجزئية، وإلى سلامة عرضها على القارئ -بعد التثبت منها- وقد أمنت العثار والزلل فيما أقدمه من معلومات جهد طاقتي.

ولعل القارئ قد لمس في هذا البحث عدة استطرادات هي في حقيقتها أمور كان يدعو إليها محاولة التثبت، أو توثيق الربط بين ما هو من صميم الموضوع وصلبه، وما يحتاج إليه في تدعيمه وتأكيده.

والواقع أنني حين بدأت محاولتي في كتابة هذا الموضوع لم أكن أتوقع أن يصل حجم البحث فيه إلى ما وصل إليه الآن من الكبر والضخامة، ولكنه شأن العلم وما يدعو إليه من التوافر على الاحتياط، ومحاولة إبرازه كاملًا في كل جوانبه ونواحيه مهما أمكن ذلك، على أنني ما ذكرت شيئًا ثم رأيت بعد إيراده أنه كان ينبغي تركه والإعراض عنه لأنه من الزوائد أو الفضول، بل كان الأمر على العكس من ذلك، لما يتركه من الأثر في إيضاح الحقائق المطلوبة في صميم البحث.

وهل كان يسعنا أن نعرض عن دراسة تراجم أعلام الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم إلى العهد الذي حددنا به موضوع هذا البحث وهم الأساتذة الذين حملوا العلوم والمعارف الحديثية إلى هؤلاء الذين جعلناهم المقصود المهم من هذه الدراسة؟

وهل كان يسعنا أن نحلل الكتب المؤلفة في هذا العهد فقط وللمصريين وحدهم دون أن نبين من رسم لهم طريق التأليف والتصنيف من الأوائل والمتقدمين في مؤلفاتهم في مختلف الموضوعات، وأن نبين كيف اتفق هؤلاء وأولئك فيما اتفقوا فيه، وكيف اختلفوا معهم فيما اختلفوا فيه، وما لتوالي العصور وتجدد الثقافات وتطورها من أثر في ذلك؟

وماذا يضير القارئ أن يصل إلى مائدة شهية حافلة بالأطايب، مما أضنيت نفسي بالتنقيب عنه في بطون الكتب المتعددة، من بيان المراجع الحديثية وإيراد أسمائها وأسماء مؤلفيها وزمان تأليفها -فيما سبق التأليف فيه من الكتاب المناظرة لمؤلفات هذا العصر المقصود- في كل ما تناولته بالدراسة من أنواع علوم الحديث، ليرجع إليها عند إرادة الاستقلال توسعًا في البحث، أو موازنة بينها وبين كتب المتأخرين، وهي لا تتسنى له في مرجع واحد أو مرجعين أو ثلاثة، ولكنها مبعثرة في عدة مراجع يعز تطلبها والعثور عليها؟

<<  <   >  >>