ولعل في عرض هذه الجهود ما يصور مدى عناية الأجيال المتلاحقة منذ عصر النبوة، بحمل رسالة الإسلام من كتاب وسنة إلى الناس في كل العهود والأقطار الإسلامية والحفاوة بها، وحياطتها بكل ما يلزم لبثها ونشرها والإفادة بها، بمختلف الأساليب والطرق والمناهج، ثم ما يصور نصيب المدرسة المصرية في الحديث وجهود أعلامها في جميع السنة وتدوينها ونشرها وتقريبها والدفاع عنها، وهو ما نراه واضحًا فيما خلفوه من ثروة دينية وعلمية حديثة، حافلة بما تحويه من دراسات لكل ما تحتاجه دراسة السنة، وتستدعيه ضرورة البحث فيها، وتفهمها على وجهها، متمثلًا في تلك المؤلفات التي لا تحصى كثرة في مختلف علوم الإسلام، وقد بينا ذلك بيانًا تفصيليًّا مسهبًا في هذه الدراسة، بل كان له أكثر نصيب منها.
وقد شاء الله أن تكون تلك الموسعات الضخمة والمؤلفات المتكثرة في علوم الدين بعامة، وعلوم السنة بخاصة، مادة خصيبة لمعالجة قضايا العصر في المشاكل المتعلقة بشئون الدين والدنيا، وفي رد تيار العدوانات التي تفتح فوهاتها من كل جهات الكفر وأعداء الحق من المبشرين وأذنابهم، فكانت أسلحة لكل مدافع عن الإسلام، وقوة لكل واقف في ثغوره يدفع بها كل كيد له أو عدوان عليه.
ولقد شاء الله أن يحتفظ للأزهر بنصيبه المدخر في خدمة السنة، فحفظ له هذا التراث، حتى استيقظ على تلك المجهودات رجال منه، كرمهم الله بحمل لواء السنة، وشرفهم بالعمل على تجديد العهد بها وإحياء الاتجاه إليها، فكان فيه تخصصات مختلفة لهذه العلوم تجلت في كلياته المختلفة: في كلية أصول الدين بالقاهرة، ونظيرتها في فرع جامعة الأزهر للبنات، ثم بأسيوط، ومعهد السنة وأقسام الدراسات العليا في السنة وعلومها، ولجان السنة بمجمع البحوث، والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية -وعلماؤها من الأزهر- مما أبرز للعالم الإسلامي رجالًا تفاخر بهم مصر في خدمة السنة، وتجدد بجهودهم عهدها الأول الذي زخر بخيرة المحدثين ورجال السنة الأماثل.
وهذا دليل على ما يريده الله لهذه الأمة من رعاية بتجديد أمر دينها، تحقيقًا لوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن الله يبعث لهذه الأمة في كل فترة من الزمن من يجدد لها أمر دينها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ولا يفوتني -قبل أن أختم هذا البحث- أن أتقدم بتوصيات تابعة عن شعور صادق وعميق بالرغبة في مباركة الجهود حول الحفاظ على السنة، وتيسير دراستها وتقريبها بكل الوسائل الممكنة، حتى تترك آثارها الإسلامية في نفوس المسلمين، فترد إليه مجدًا كاد يتقلص بإهمال شئون هذا الدين، وسبيلنا إلى هذا ما يأتي:
١- تكوين حلقات طلابية حديثية، يشرف عليها أساتذة متخصصون في الكليات المعنية بدراسة السنة: في أصول الدين والشريعة والدراسات الإسلامية وغيرها، ويختار الأساتذة لكل من هذه