للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في التصنيف فبلغت مؤلفاته حتى مات ما يزيد على أربعمائة وخمسين كتابًا، وقد رحل في طلب العلم إلى بلاد كثيرة منها الشام والحجاز واليمن وبلاد المغرب والهند، وعقد دروسًا في إملاء الحديث، ورزق التبحر في علوم سبعة هي: التفسير والحديث والفقه والنحو والمعاني والبيان والبديع على طريقة العرب والبلغاء، لا على طريقة العجم وأهل الفلسفة، وقد أخذ الحديث على كثير من الشيوخ تزيد عدتهم على مائة وخمسين شيخًا، قال عنه تلميذه الداودي: عاينت الشيخ وقد كتب في يوم واحد ثلاثة كراريس تأليفًا وتحريرًا، وكان مع ذلك يملي الحديث، ويجيب عن المتعارض منه بأجوبة حسنة، وكان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه رجالًا وغريبًا ومتنًا وسندًا واستنباطًا للأحكام منه، وقد أخبر عن نفسه أنه يحفظ مائتي ألف حديث، قال: ولو وجدت أكثر لحفظته، تجرد للعبادة بعد الأربعين وانقطع لها وأعرض عن الدنيا وأهلها حتى كأنه لا يعرف منهم أحدًا، وبدأ يؤلف ويصنف وترك الإفتاء والتدريس، وأقام في روضة المقياس فلم يتحول عنها إلى أن مات في ليلة الجمعة التاسع عشر من جمادى الأولى بمنزله بروضة المقياس سنة إحدى عشرة وتسعمائة، بعد أن مرض سبعة أيام بورم شديد في ذراعه الأيسر وكان سنة إحدى وستين سنة وعشرة أشهر وثمانية عشر يومًا، ودفن في حوش قوصون خارج باب القرافة١.

١٣- الشهاب القسطلاني:

أحمد بن محمد بن أبي بكر الإمام العلامة الحجة الرحالة الفهامة المسند المحدث أبو العباس شهاب الدين القسطلاني المصري، ثم القاهري الشافعي، ولد في ثاني عشر ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وثمانمائة بمصر، ونشأ بها، وأخذ عن ابن حجر وغيره، وكان من أزهد الناس في الدنيا، منقادًا إلى الحق، وكان حسن الأداء والصوت بتلاوة القرآن أقام عند النبي صلى الله عليه وسلم فحصل له جذب فصنف المواهب اللدنية بعد أن صحا، ووقف خصيًا كان معه لخدمة الحجرة النبوية، وكان يعتقد في الصوفية، حج غير مرة، ومن شيوخه الشيخ خالد الأزهري النحوي والفخر المقسي والجلال البكري وغيرهم، وأخذ بمكة عن جماعة منهم النجم بن فهد، وكان يعظ بالجامع الغميري وغيره ويجتمع عنده الجم الغفير من الناس، ولم يكن له نظير في ذلك، قال في النور: وبالجملة فإنه كان إمامًا حافظًا متقنًا جليل القدر، حسن التقدير والتحرير، لطيف الإشارة بليغ العبارة حسن الجمع والتأليف، توفي ليلة الجمعة سابع المحرم سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ودفن بالمدرسة العينية بجوار منزله٢.

١٤- شيخ الإسلام زكريا الأنصاري:

زين الدين الحافظ زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري، السنيكي ثم القاهري الأزهري الشافعي، قال في النور، ولد سنة ست وعشرين وثمانمائة بسنيكة بالشرقية، ونشأ بها، وحفظ القرآن وعمدة الأحكام وبعض مختصر التبريز، ثم تحول


١ شذرات الذهب ج٨ ص٥١، وحسن المحاضرة ج١ ص٣٣٥.
٢ الكواكب السائرة ج١ ص١٢٦، وشذرات الذهب ج٨ ص١٢١.

<<  <   >  >>