للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصحب معه والدته، فلقي غير واحد من الشيوخ أخذ عنهم في الطور وجدة وينبع، ووصل وأقام بها من شعبان إلى أن حج، وقرأ بها من الكتب والأجزاء ما لم يتهيأ لغيره من الغرباء، قرأ داخل البيت المعظم وبالحجر وعلو غار ثور وجبل حراء. كما قرأ بكثير من المشاهد المأثور بمكة وظاهرها كالجعرانة ومنى ومسجد الخيف على خلق، كأبي الفتح المراغي والزمزمي وابن؟؟؟ والأميوطي والشوائطي وأبي السعادات ابن ظهيرة وأبي حامد بن الضياء، وقرأ في المدينة قبل رجوعه تجاه الحجرة النبوية على البدر عبد الله بن فرحون، وبغيره من أماكنها على الشهاب أحمد بن النور المحلى وأبي الفرج المراغي، ورجع إلى القاهرة فأقام بها ملازمًا للسماع والقراءة والتحريج والاستفادة من الشيوخ والأقران، ثم ارتحل إلى منوف والإسكندرية وفيشا الصغرى، وسافر إلى دسوق ورشيد وفوه وأم دينار والمحلة وسمنود ومنية عساس ومنية ثابت والمنصورة وفارسكو ودنجية والطويلة ومسجد الخضر، ودخل دمياط وحصل في هذه الرحلة أشياء جليلة من الكتب والأجزاء والفوائد عن نحو خمسين نفسًا، ثم ارتحل إلى حلب، وسمع في طريقه إليها بسرياقوس وبلبيس والخانقاة وقطيا وغزة والمجدل والرملة وبيت المقدس والخليل ونابلس ودمشق وصالحيتها وبلادًا كثيرة في ذهابه إلى حلب وعودته منها من كثير من الشيوخ يقرب من مائة نفس، واجتمع له بالسماع والرواية ما يفوق الوصف، وشرع في التصنيف والتخريج قبل الخمسين، فصنف وخرج كثيرًا من الكتب في الحديث وعلومه وفي غيره من العلوم الأخرى، وذكر هذه المصنفات، والتخريجات في ترجمته لنفسه في الضوء اللامع، واستقر في تدريس الحديث بدار الحديث الكاملية عقب موت الكمال، ثم بالصرغتمشية عقب الأمين الأقصرائي، كما سبق أن درس بالظاهرية القديمة والبرقوقية والفاضلية، وتوفي رحمه الله بالمدينة المنورة يوم الأحد الثامن والعشرين من شعبان سنة اثنتين وتسعمائة، وصلى عليه بعد صبح الاثنين، ووقف بنعشه تجاه الحجرة النبوية الشريفة، ودفن بالبقيع بجوار مشهد الإمام مالك١.

١٢- الحافظ جلال الدين السيوطي:

أبو الفضل عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد بن سابق الدين أبي بكر بن عثمان بن محمد بن خضر بن أيوب الخضرمي السيوطي الشافعي المسند المحقق المدقق، صاحب المؤلفات الفائقة النافعة، ولد بعد مغرب ليلة الأحد مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة، ثم حمل في حياة أبيه إلى الشيخ محمد المحذوب من كبار الأولياء بجوار المشهد النفيسي بالقاهرة فبارك عليه، ونشأ يتيمًا فحفظ القرآن، قبل ثمان سنوات، ثم حفظ كثيرًا من كتب العلوم، وبدأ في الاشتغال فتعلم الفرائض، وأجيز بتعليم العربية ولازم البلقيني حتى مات، فلزم ولده فقرأ عليه وسمع منه وأجازه بالتدريس والإفتاء، ثم لازم شيخ الإسلام شرف الدين المناوي في الفقه، والشيخ تقي الدين الشبلي في الحديث والعربية حتى مات، ثم لازم الإمام يحيى الدين الكافيجي، وحضر على الشيخ سيف الدين الحنفي كثيرًا من الدروس، وشرع


١ الضوء اللامع ج٨ ص١، والشذرات ج٨ ص١٥.

<<  <   >  >>