للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووجه الدلالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتهد في الإعراض عن الأعمى عندما جاءه وهو مشغول بدعوة أكابر قريش إلى الإسلام، وقد لاحت له بارقة رجاء في إيمانهم بتحدثهم معه فعلم صلى الله عليه وسلم أن إقباله على الأعمى قد ينفرهم ويقطع عليه طريق دعوته، فقد كان يرجو بإيمانهم انتشار الإسلام في جميع العرب، ولم يكن يعلم حينئذ أن سنة الله في البشر أن يكون أول من يتبع الأنبياء والمصلحين فقراء الأمم وأوساطهم، دون الأكابر المجرمين المترفين الذين يرون في اتباع غيرهم ضعة بذهاب بأسهم، فعاتبه الله سبحانه وتعالى على ذلك.

ز- وأخرج البخاري أنه في غزوة "خبير" لما أمسى الناس في اليوم الذي فتحت عليهم - يعني خيبر - أوقدوا نيرانا كثيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذه النيران؟ على أي شيء توقدون"؟ قالوا: على لحم، قال: "أي لحم"؟ قالوا: الحمر الإنسية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهريقوها واكسروها" فقال رجل: يا رسول الله، أو نهريقها ونغسلها، قال: "أو ذاك".

ووجه الدلالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذهم أولا بالأشد منعا لهم من أكلها اجتهادا منه، فلما سلموا بالحكم وأشار بعض صحابته بالاكتفاء بغسيل القدور بدلا من تكسيرها وتفويت منفعتها رخض لهم في غسلها وعدل عن اجتهاده الأول.

ذلك هو أصح ما ورد من وقائع دالة على اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلاف في المسألة مبسوط في علم الأصول، وللشيخ عبد الجليل عيسى مؤلف خاص في اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم نشرته دار البيان بالكويت.

وينبغي أن نذكر هنا أن تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم منها ما هو تشريعن ومنها ما ليس بتشريع.

<<  <   >  >>