للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١- فهناك أمور سبيلها التجربة والدربة في الحياة، والخبرة بأحوالها فيما اعتاده الناس - كشئون الزراعة والطب، فهذه يجتهد فيها الرسول صلى الله عليه وسلم اجتهاد غيره، ويخطيء ويصيب، وليست شرعا، ولذا قال في تأبير النخل: "أنتم أعلم بأمور دنياكم" بعد أن نصح لهم بعدم تلقيحه اجتهادا منه، ثم تبين له خلاف ذلك، حيث لم يكن لديه معرفة بالزراعة والفلاحة.

ففي الصحيحين: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون النخل، فقال: "لو لم تفعلوا لصلح" فخرج شيصا، فمر بهم فقال: "ما لنخلكم؟ " قالوا: قلت كذا وكذا، قال: "أنتم أعلم بأمور دنياكم".

وفي بعض الروايات أنه قال: "إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر".

٢- وهناك أمور أخرى سبيلها التدبير الإنساني اعتمادا على الظروف الخاصة، كتوزيع الجيوش في المواقع الحربية، وتنظيم الصفوف في الموقعة، واختيار أماكن النزول، وطرق الكر والفر، فهذه كذلك ليست شرعا يتعلق به طلب الفعل أو الترك، ولكنها من الشئون البشرية التي لا يكون مسلك الرسول صلى الله عليه وسلم فيها تشريعا ولا مصدر تشريع.

ومن ذلك ما رواه ابن كثير وابن الأثير وابن إسحاق من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل في غزوة "بدر" على أدنى ماء من مياه "بدر" إلى المدينة، فأتاه الحباب بن المنذر بن عمرو بن الجموح فقال: يا رسول الله ... أرأيت هذا المنزل؟ أهو منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه أو نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "بل هو الرأي والمكيدة فقال: يا رسول الله ... ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضا، فتملأه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال له: "لقد أشرت بالرأي" وفعل كما قال.

<<  <   >  >>