ومن ثم هذا القبيل إقراره صلى الله عليه وسلم كتابة شروط الصلح مع قائدي "غطفان" يوم الخندق.
روى ابن كثير في تاريخه قال ابن إسحاق: لما اشتد البلاء على الناس بالحصار الذي مكث نحو شهر، بعث صلى الله عليه وسلم إلى عيينه بن حصن، والحارث بن عوف المري، وهما قائدا غطفان، وأعطاهما ثلثا ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فجرى بينه وبينهم الصلح حتى كتبوا الكتاب، ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح، فلما أراد صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك بعث إلى السعدين - سعد بن معاذ وسعد بن عبادة - فذكر لهما ذلك.
فقالا: يا رسول الله ... أمرا تحبه فنصنعه، أم شيئا أمرك الله به لا بد من العمل به، أم شيئا تصنعه لنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم:"بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمرما" فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله ... قد كنا وهؤلاء على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منا ثمرة واحدة إلا قرى أو بيعا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام، وهدانا له وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا؟ ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فقال صلى الله عليه وسلم:"أنت وذاك" فتناول سعد الصحيفة فما ما فيها من الكتابة، ثم قال: ليجهدوا أنفسهم.
٣- أ- أما ما يصدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجع التبليغ في شأن من شئون العقائد أو العبادات أو الحلال والحرام أو الأخلاق أو ما يتصل بذلك من أمور الدين ووظائف الرسالة.
ب- أو ما يصدر عنه صلى الله عليه وسلم من شئون الرئاسة العامة والقضاء، كقسمة الغنائم وعقد المعاهدات، والفصل في الخصومات فهذا وذاك يكون تشريعا، وهو الذي يرى فيه جمهور المحققين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يجوز له الاجتهاد فيه حيث لا نص، ولكنه لا يقر على خطأ، وهو الذي استشهدنا عليه بالنصوص والوقائع الآنفة الذكر التي تدل على اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم فيما لا نص فيه.