وسلم في كثير من الأحكام ولم يعنفهم منها ما كانت في غيبته ومنها ما كان في حضرته:
١- ما كان في غيبته:
هناك حوادث كثيرة اجتهد الصحابة فيها بغيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم نذكر منها ما يلي:
أ- قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب:"لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة" وذلك في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم، فاجتهد بعضهم وصلاها في الطريق حين أدركتهم الصلاة، وقال: لم يرد منا التأخير، وإنما أراد سرعة النهوض والتعجيل بالمسير، فنظروا إلى المعنى، واجتهد آخرون وأخروها إلى بني قريظةن فصلوها ليلا، ونظروا إلى اللفظ.
قال ابن القيم تعليقا على هذا في إعلام الموقعين: وهؤلاء سلف أهلف الظاهر، وأولئك سلف أصحاب المعاني والقياس.
ب- ولما كان على رضي الله عنه باليمين أتاه ثلاثة نفر يختصمون في غلام، فقال كل واحد منهم: هو ابني، فجعل على رضي الله عنه يخيرهم واحدا واحدا، أترضى أن يكون الولد لهذا؟ فأبوا، فقال: أنتم شركاء متشاكسون، فأقرع بينهم، فجعل الولد للذي خرجت له القرعة، وجعل عليه للرجلين الآخرين ثلثي الدية، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فضحك حتى بدت نواجذه من قضاء على رضي الله عنه، روى ذلك الخطيب البغدادي في كتاب الفقيه والمتفقه.
وقد اعتبر على في هذا الحكم أنه بالنسبة للقارع بمنزلة الإتلاف للآخرين كما أتل رقيقا بينه وبين شريكين له، فإنه يجب عليه ثلثا القيمة لشريكيه، فإتلاف الولد الحر بحكم القرعة كإتلاف الرقيق الذي بينهم.