للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن العلماء من يرى أن مثل هذا الاختلاف في مسائل الفروع أمر لا بأس به؛ بل هو من محاسن الشريعة؛ فهذا أمر محمود يدل على يسر الشريعة وسعة أحكامها، مما أكسب الفقه الإسلامي جدة وحيوية، وأيد هؤلاء ما ذهبوا إليه بنصين.

النص الأول: ما روي من طريق سلام بن سليم قال: حدثنا الحارث بن عضين عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" وهو حديث موضوع رواه ابن عبد العبر في "جامع بيان العلم" ورواه ابن حزم في "الأحكام" وقال ابن عبد البر: هذا إسناد لا تقوم به حجة، لأن الحارث بن عضين مجهول، وقال ابن حزم: هذه رواية ساقطة، أبو سفيان ضعيف، والحارث بن عضين هذا هو أبو وهب الثقفي، وسلام بن سليم يروي الأحاديث الموضوعة، وهذا منها بلا شك.

النص الثاني: "اختلاف أمتي رحمة" وهذا النص لا أصل له، ولم يقف له المحدثون على سند، حتى قال السيوطي في الجامع الصغير: "ولعله خرج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا".

- ومن العلماء من يذم الاختلاف وأيد هذا بأدلة كثيرة، من الكتاب والسنة، وقد تناول ابن حزم هذا بالبيان١؛ فذكر أن الاختلاف لا يسوغ البتة ولا يجوز؛ فإن الفرض علينا إتباع ما جاء به القرآن، وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد غلط قوم؛ فقالوا: الاختلاف رحمة، وهذا من أفسد قول يكون، لأنه لو كان الاختلاف رحمة لكان الاتفاق سخطا، وهذا ما لا يقوله مسلم، لأنه ليس إلا اتفاق أو اختلاف، وليس إلا رحمة أو سخط، وقد قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} ٢.


١ انظر "الباب الخامس والعشرون في ذم الاختلاف" ج ٥، ص ٦٤٢، ط الإمام- الإحكام في أصول الأحكام.
٢ هود: ١١٨، ١١٩.

<<  <   >  >>