للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمر تعالى بالاعتصام بحبله {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} ١، ونهى عن التفرق والاختلاف {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ٢؛ فإن الاختلاف يوهن شأن الأمة، ويذهب بهيبتنا، ويعصف بكيانها {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} ٣. وفي هذا جاء قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا". رواه مسلم. وبين صلى الله عليه وسلم ما يؤدي إليه الاختلاف من هلاك الأمم فيما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم".

والحق أن الاختلاف في الفروع لا مندوحة عنه، وأن مثل هذا الاختلاف لا يكون مذموما ما دام مستندا إلى وجه الاستدلال، وليس هناك دليل أرجح؛ إنما يذم الاختلاف الذي يذكيه الهوى، ويؤججه التعصب، فيعمى أصحابه عن الدليل، ويحول بينهم وبين الرضوخ للحق عند تعارض الأدلة ومعرفة الراجح منها. وإذا تم الاتفاق فإنه يكون نعمة ورحمة.

وقد ألف العلماء قديما وحديثا في اختلاف الفقهاء وبينوا أسبابه، وذكروا أمثلته وما يجوز فيه الاختلاف وما لا يجوز، ومن ذلك: "تخريج الفروع على الأصول للإمام شهاب الدين محمود بن أحمد الزنجاني المتوفي سنة ٦٥٦هـ "٤"، و"رفع الملام عن الأئمة الأعلام" لشيخ الإسلام ابن تيمية "ت ٧٢٨ هـ" و"التمهيد" في تخريج الفروع على الأصول للإمام جمال الدين أبي محمد عبد الرحيم بن الحسين الإسنوي المتوفى سنة ٧٧٢هـ٥ الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف"


١ آل عمران: ١٠٣.
٢ آل عمران: ١٠٥.
٣ الأنفال: ٤٦.
٤ حققه الدكتور محمد أديب صالح - ط مؤسسة الرسالة.
٥ حققه الدكتور محمد حسن هيتور طمؤسسة الرسالة.

<<  <   >  >>