للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقدموا الصديق في الخلافة وقالوا: رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا أفلا نرضاه لدنيانا؟ فقاسموا الإمامة الكبرى على إمامة الصلاة.

وأخذ الصحابة في الفرائض بالعول وإدخال النقص على جميع ذوي الفروض، قياسا على إدخال النقص على الغرماء إذا ضاق مال المفلس عن توفيتهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للغرماء: "خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك". وهذا من أحسن القياس.

وقاسوا حد الشرب على حد القذف، وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شاور الناس في حد الخمر، وقال: إن الناس قد شربوها واجترءوا عليها؛ فقال له علي رضي الله عنه: إن السكران إذا ذكر هذى، وإذا هذى افترى، فاجعله حد الفرية، فجعله عمر حد الفرية ثمانين ولم ينفرد على بهذا القياس، بل وافقه عليه الصحابة. والحديث أخرجه مالك في الموطأ مفصلا، ووصله النسائي والطحاوي وتكلم فيه بعض الحفاظ.

ومن مسائل اجتهاد الصحابة بالرأي عند عدم النص ما يأتي:

١- روى أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سئل في إملاص المرأة وهو لا يعلم قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه؛ فقال: أذكر الله امرءا سمع من النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين شيئا؟ فقام حمل بن مالك بن النابغة قال: كنت بين جارتين لي يعني ضرتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح، فألقت جنينا ميتا، فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة، فقال عمر: إن كدنا أن نقضي في مثل هذا برأينا" وعبر عن الضرتين بالجارتين للمجاورة بينهما، والمسطح: عود من أعواد الخباء والفسطاط، وفسرت الغرة في بعض الروايات بالعبد أو الأمة؛ وإنما تجب الغرة في الجنين إذا سقط ميتا، فإن سقط حيا ثم مات فيه الدية كاملة. فأنت ترى في عبارة عمر: "إن كدنا أن نقضي في مثل هذا برأينا" أنه لو لم يجد قضاء قضي به رسول الله صلى الله عليه وسلم لاجتهد برأيه.

<<  <   >  >>