للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وروي عن عبد الله بن مسعود قال: لا يأتي عليكم عام إلا وهو شر من الذي قبله، أما إني لا أقول: أمير خير من أمير، ولا عام أخصب من عام؛ ولكن فقهاءكم يذهبون ثم لا تجدون منهم خلفاء، ويجيء قوم يقيسون الأمور برأيهم".

وقال في المفوضة١: أقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريء.

ومثل هذا روى عن عثمان، وقال على بن أبي طالب: "لو كان الدين بالرأي، لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه".

وأتيى زيد بن ثابت قوم فسألوه عن أشياء فأخبرهم بها، فكتبوها، ثم قالوا: لوأخبرنا، فأتوه فأخبروه، فقال: "أعذروا لعل كل شيء حدثتكم به خطأ، إنما اجتهدت لكم برأيي.

وإذا كان قد أثر عن الصحابة ذلك في ذم الرأي، فالمراد بالرأي المذموم الرأي الباطل بأنواعه، كالرأي المخالف للنص، أو الكلام في الدين بالخرص والظن، من غير تبصر بالنصوص وتفهم لها، لاستنباط الأحكام منها، أو الرأي الذي يتضمن تعطيل أسماء الله وصفاته وأفعاله بالمقاييس الباطلة، أو الذي يميل مع الهوى فيما يستحدث من بدع، أو القول في أحكام شرائع الدين بالاستحسان، وردا لفروع بعضها على بعض قياسا دون ردها إلى أصولها، والنظر في عللها، أو ما يكون من باب الاشتغال بالمعضلات والأغلوطات، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الله يكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال" رواه البخاري ومسلم.

أما الرأي الذي يكون عن نظر في الأدلة والاجتهاد في فهمها؛ فهو الذي كان من الصحابة وقال فيه ابن القيم: "إنهم خصوه بما يراه القلب بعد فكر وتأمل وطلب لمعرفة وجوب الصواب بما تتعارض فيه الإمارات، وهو الرأي المحمود، فإن كان عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حري بأن يكون مقبولا.


١ التفويض: العقد على المرأة دون ذكر المهر أو ترك تحديدة لها بعهد أو لأحدهما أو لأجنبي انظر المعنى ص ٧١٢، ج٦.

<<  <   >  >>