للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ودافع عن أبي حنيفة كثير من العلماء واستدلوا بقوله عن نفسه: إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لم نحل عنه إلى غيره، وأخذنا به، وإذا جاء عن الصحابة تخيرنا، وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم.

ويقول زفر تلميذ أبي حنيفة في هذا: "لا تلتفتوا إلى كلام المخالفين؛ فإن أبا حنيفة وأصحابنا لم يقولوا في مسألة إلا من الكتاب والسنة والأقاويل الصحيحة، ثم قاسوا بعد عليها"، ويقول أبو يوسف أكبر أصحابه: "ما رأيت أحدا أعلم بتفسير الحديث ومواضع النكت التي فيه من الفقه من أبي حنيفة، وكان أبصر بالحديث الصحيح مني".

ويقول ابن خلدون عنه:

"والإمام أبو حنيفة إنما قلت روايته لما شدد في شروط الرواية والتحمل، وضعف رواية الحديث اليقيني إذا عارضها الفعل النفسي، وقلت من أجلها روايته؛ فقل حديثه، لا أنه ترك رواية الحديث، فحاشاه من ذلك.

ويدل على أنه كان من كبار المجتهدين في علم الحديث اعتماد مذهبه بينهم، والتعويل عليه، واعتماده ردا وقبولا، فلا تأخذك ريبة في ذلك، فالقوم أحق الناس بالظن الجميل بهم، والتماس المخارج الصحيحة لهم، والله سبحانه وتعالى أعلم بما في حقائق الأمور".

ويذكر ابن عبد البر أنه قيل لأبي حنيفة: "المحرم لا يجد الإزار، يلبس السراويل؟ قال: لا، ولكن يلبس الإزار! قيل له: ليس له إزار! قال: يبيع السراويل، ويشتري بها إزارا، قيل له: فإن النبي صلى الله عليه وسلم خطب وقال: المحرم يلبس السراويل إذا لم يجد الإزار، فقال أبو حنيفة: لم يصح في هذا عندي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء فأفتى به، وينتهي كل امرئ إلى ما سمع، وقد صح عندنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يلبس السراويل، فننتهي إلى ما سمعناه قيل له: أتخالف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لعن الله من يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم، به أكرمنا وبه استنقذنا".

<<  <   >  >>