فغضبت وانقطعت إلى ابن هرمز سبع سنين، لم أخلطه بغيره، وكنت أجعل في كمي تمرا، وأناوله صبيانه، وأقول لهم: إن سألكم أحد عن الشيخ؛ فقولوا مشغول، وقال ابن هرمز يوما لجاريته: من بالباب؟ فلم تر إلا مالكا، فرجعت فقالت: ما ثم إلا ذاك الأشقر؛ فقال: ادعيه فذلك عالم الناس.
وبهذا يتبين أن ابن هرمز أثر في مالك تأثيرا بليغا في هذه الفترة التي لم يخلطه بغيره، ثم وجد في نافع مولى ابن عمر بغيته؛ فجالسه وأخذ عنه علما كثيرا.
وأخذ مالك عن ابن شهاب الزهري، بعد أن نال قسطا كبيرا من العلم، وصار ضابطا، حافظا أخذ منه الحديث كما أخذ الفقه عن ربيعة بن عبد الرحمن المعروف بربيعة الرأي، الذي كان يعترف لمالك بالفضل ويجلس معه في التلقي.
وروي عن مالك أنه قال: قدم علينا الزهري فأيتناه ومعنا ربيعة؛ فحدثنا نيفا وأربعين حديثا، ثم أتيناه في الغد؛ فقال: انظروا كتابا حتى أحدثكم، أرأيتم ما حدثتكم به أمس؟ قال له ربيعة: ههنا من يرد عليك ما حدثت به أمس. قال: ومن هو؟ قال: ابن أبي عامر. قال: هات؛ فحدثته بأربعين حديثا. منها فقال الزهري: ما كنت أرى أنه بقي أحد يحفظ هذا غيري.
كما أخذ عن يحيى بن سعيد الأنصاري من بني النجار، قاضي المدينة الذي أخذ عن الفقهاء السبعة وكان حجة في الفقه.
وحين اكتملت لمالك دراسة الحديث والأثر والفقه اتخذ له مجلسا في المسجد النبوي للدرس والإفتاء فقصد طلاب الفقه والفتوى، وكان موضع ثقتهم، وبالغ أصحاب المناقب؛ فذكروا أن مالكا كان آنذاك في سن السابعة عشرة، مع أن الروايات تدل على أنه لم يجلس للفتيا إلا بعد أن استشار عددا كبيرا من شيوخه، وقد سبق أن عرفنا أنه لازم ابن هرمز سبع سنين؛ مما يدل على أن جلوسه للإفتاء كان في سن النضج لا في سن السابعة عشرة، وإن كنا لا ندري في أي سن على وجه التحديد.