لهم وغير من معه ممن جمع عليه، وكان الجامعون لهم ناسا فالدلالة بينة مما وصفت من أنهم إنما جمع لهم بعض الناس دون بعض، والعلم يحيط أنه لم يجمع لهم الناس كلهم، ولم يخبرهم ولم يكونوا هم الناس كلهم. ولكنه لما كان اسم "الناس" يقع على ثلاثة نفر، وعلى جميع الناس، وعلى من بين جميعهم وثلاثة منهم، كان صحيحا في لسان العرب أن يقال:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاس} وإنما الذين قالوا لهم ذلك أربعة نفر {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُم} يعنون المنصرفين عن أحد؛ وإنما هم جماعة غير كثير من الناس، الجامعون منهم غير المجموع لهم، والمخبرون للمجموع لهم غير الطائفتين، والأكثر من الناس في بلدانهم غير الجامعين ولا المجموع لهم ولا المخبرين"١.
ويخصص القرآن بالقرآن، ويخصص بالسنة، لأن الله أوجب اتباع نبيه وطاعته في كتابه؛ فكل اتباع للنبي صلى الله عليه وسلم والانتهاء إلى حكمه. "فمن قبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبفرض الله قبل".
وتصدى الشافعي للرد على طوائف ثلاث أنكرت حجية السنة، الطائفة الأولى: التي أنكرت حجية السنة كلها، والطائفة الثانية: التي أنكرت حجية ما زاد على القرآن منها، والطائفة الثالثة: التي أنكرت حجية أخبار الآحاد. ويستشهد على ذلك كله بالأدلة الصحيحة، في منطق مقنع، واضح، ومناظرة جدلية تتسم بالأصالة، وقوة البرهان، ونصاعة البيان.
١ احتفظنا بنص الشافعي. وهو يعني بأن لفظ الناس في اللغة يطلق على ثلاثة -وهو أقل الجمع- فأكثر، وعلى عموم الناس جميعا. ولكن استعمل في الآية التي استشهد بها تارة لأربعة، وتارة لأكثر من ذلك، مع أنه في عمومه يطلق على المخاطبين وغير المخاطبين، ويمكن الرجوع في هذا إلى كتابنا "مباحث في علوم القرآن" مبحث: "العام والخاص" لمن أراد المزيد.