ويجعل الشافعي حجية الإجماع بعد الكتاب والسنة، وقبل القياس. والإجماع عنده أن يجتمع علماء العصر على أمر فيكون إجماعهم حجة، ويعتبر إجماع الصحابة من الدرجة الأولى لأنه يكون دليلا على أنهم سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اجتمعوا عليه، وإن كان ذلك عن اجتهاد منهم. ولا يكون الإجماع في نظر الشافعي إلا من علماء المسلمين في كل الأمصار، ولذا رد قول شيخه مالك في اعتباره إجماع أهل المدينة.
يقول الشافعي في الرسالة:"لست أقول -ولا أحد من أهل العلم- هذا مجتمع عليه إلا لما لا تلقي عالما أبدا إلا قاله لك وحكاه عمن قبله، كالظهر أربع، وكتحريم الخمر، وما أشبه ذلك".
ويستدل على حجية الإجماع بقوله تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} ١ وبما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمره بلزوم الجماعة يقول: "إن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة ليس له إلا معنى واحدا، لأنه إذا كانت جماعتهم متفرقة في البلدان؛ فلا يقدر أحد أن يلزم جماعة أبدا من قوم متفرقين، وقد وجدت الأبدان تكون مجتمعة من المسلمين والكافرين والأتقياء والفجار، فلم يكن في لزوم الأبدان معنى لأنه لا يمكن، ولأن اجتماع الأبدان لا يصنع شيئا، فلم يكن للزوم جماعتهم معنى، إلا ما عليه جماعتهم من التحليل والتحريم والطاعة فيهما، ومن قال بما تقول به جماعة فقد لزم جماعتهم، ومن خالف ما تقول به جماعة المسلمين فقد خالف جماعتهم التي أمر بلزومها، وإنما تكون الغفلة في الفرقة، فأما الجماعة فلا يكون فيها غفلة عن معنى كتاب ولا سنة ولا قياس إن شاء الله".