للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رابعا- منهج القرآن في بيان الأحكام:

١- بعض آيات الأحكام قد جاء بصيغة قاطعة، ولا مجال للاجتهاد فيها، كآيات وجوب الصلاة والزكاة، والصوم، وكآيات المواريث التي حددت أنصبة الوارثين، وكآيات حرمة الزنا، والقذف، وأكل أموال الناس بالباطل، والقتل بغير حق، وما إلى ذلك مما اشتهر عند المسلمين، وأخذ حكم المعلوم بالضرورة.

وبعض آيات الأحكام لا يتعين المراد منها، فكانت مجالا للبحث والاجتهاد، كتحديد المسح بالرأس في الوضوء، ووجوب النفقة للمطلقة طلاقا بائنا.

والفرق بين النوعين أن الأول بمنزلة العقائدن وهو واجب الاتباع عينا على كل إنسان، فمن أنكره يكون خارجا عن الملة، بخلاف الثاني، فإن من أنكر فيه فهما معينا تحتمله الآية كما تحتمل غيره، لا يكون كذلك، وكل مجتهد يتبع فيه ما ترجح عنده.

ومن هذا النوع الثاني تعددت المذاهب الإسلامية، واختلفت آراء الفقهاء، فوصلت إلى السبعة أو الثمانية في المسألة الواحدة، ولا يمكن أن يقال: إن الكل دين يجب اتباعه، لأنها آراء متناقضة، ولا آن الدين واحد معين منها، لأنه لا أولوية لبعضها على بعض، إلا إذا وجد مرجح، ولا أن الدين واحد منها لا بعينه، لأنه شائع لا يعرف على التحديد، وإنما الذي يقال في هذا وأمثاله، إنها آراء وأفهام، للحاكم أن يختار منها في العمل أيها شاء، تبعا لما يراه من المصلحة، ولعل هذا هو السر في سعة الفقه الإسلامي واستطاعته حل المشاكل الاجتماعية، مهما امتد الزمن بالحياة، وكثرة صور الحوادث، وتقدمت الحضارات.

٢- وبيان القرآن لتلك الأحكام لم يكن على سنة البيان المعروف في القوانين الوضعية، بأن يذكر الأوامر والنواهي جافة مجردة عن معاني الترغيب والترهيب وإنما يسوقها محتفة بأنواع من المعاني التي من شأنها أن تخلق في نفوس المخاطبين بها الهيبة والمراقبة، والإرتياح والشعور بالفائدة العاجلة والآجلة، فيدعوهم كل هذا إلى المسارعة إليها، وامتثال الأمر فيها نظرا إلى واجب الإيمان، وبداعية الخوف من عقاب الله وغضبه، والطمع في ثوابه ورضاه، وهذا هو الوازع الديني الذي تمتاز بغرسه في النفوس الشرائع السماوية، وهو بلا شك أكبر عون للوازع الزمني، للسلطة التنفيذية في الحصول على مهمته، لإصلاح الأمة واستقامتها على

<<  <   >  >>