للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمر الله، وتستطيع أن تدرك هذا المعنى بالنظر في آيات التشريع.

٣- لم ينهج القرآن في ذكره لآيات الأحكام منهج الكتب المؤلفة، التي تذكر الأحكام المتعلقة بشيء واحد في مكان واحد، ثم لا تعود إليه إلا بقدر ما تدعو إليه المناسبة، وإنما جاءت آيات الأحكام مفرقة في مواضع مختلفة، فقد يأتي ما يتعلق بالطلاق والرضاع وأحكامهما، وما يتعلق بالخمر وحرمتها بين ما يتعلق بالقتال وشئون البيتامي، كما في آيات سورة البقرة التي تناولت آيات الصلاة والصيام والحج، وآيات القتال والردة، وآيات نكاح المشركات، والأيمان، وآيات القصاص والوصية، وآيات الطلاق وما يتبعه.

ولكنك ترى أحكام الحج التي ذكر بعضها في سورة البقرة، جاء ذكر بعضها الآخر في سورة الحج.

وترى أحكام الطلاق والزواج والرجعة التي ذكر بعضها في سورة البقرة قد ذكر بعضها في سورة النساء، وبعضها في سورة الطلاق.

وهكذا نجد القرآن في ذكره لآيات الأحكام وكأنه في ذلك أشبه شيء ببستان تنوعت ثماره وأزهاره، وازدانت بها جميع نواحيه، حتى يقتطف الإنسان منها أنى وجد فيه ما ينفعه وما يشتهى من ألوانه مختلفة وأزهار متباينة، وثمار متنوعة، يعاون بعضها بعضا في الروح العام الذي يقصد في التشريع وهذه الروح هي: التغذية بالنافع، والهداية إلى الخير.

ولهذا النهج القرآن في بيان الاحكام إيحاء خاص، وهو أن جميع ما في القرآن وإن اختلفت أماكنه، وتعددت سوره وأحكامه فهو وحدة عامة، لا يصح تفريقه في العمل، ولا الأخذ ببعض دون بعض: {وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} ١.

٤- جاءت أكثر أحكام القرآن مجملة، تشير إلى مقاصد التشريع وقواعده الكلية، وتدع للمجتهدين مجال الفهم والإستنباط على ضوء هذه القواعد وتلك المقاصد، وإنما جاء التفصيل في الأحكام التي لا بد من تفصيلها، سموا بها عن مواطن الجدل، كما في العقائد والعبادات، أو لابتنائها على أسباب لا تختلف


١ المائدة: ٤٩.

<<  <   >  >>