للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باختلاف الأزمنة والأمكنة، كالمواريث ومحرمات النكاح، وعقوبات بعض الجرائم، كما أشرنا إلى ذلك من قبل.

وهذا النهج من ضرورة خلود الشريعة ودوامها، فليس من المعقول أن تعرض شريعة جاءت على أساس من الخلود والبقاء والعموم لتفصيل أحكام الجزئيات التي تقع في حاضرها ومستقبلها، فإنها مع كثرتها الناشئة من كثرة التعامل وألوانه، متجددة بتجدد الزمن وصور الحياة، فلا مناص إذن من هذا الإجمال والاكتفاء بالقواعد العامة، والمقاصد التى تنشدهم للعالم.

وبإزاء هذا حثت الشريعة على الاجتهاد واستنباط الأحكام الجزئية التي تعرض حوادثها من قواعدها الكلية ومقاصدها العامة.

وقد جعل القرآن لأهل الذكر والاستنباط منزلة سامية، وأمر الناس بالرجوع إليهم فيما يحتاجون إليه، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ١

وقال: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} ٢.

وقال: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} ٣.

وبهذه الآيات ونحوها حث القرآن على الاجتهاد في تعرف الأحكام وسؤال أهل العلم والمعرفة.

وقد مهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه من بعده طريق الاستنباط لمن جاء بعدهم من أئمة المسلمين وعلمائهم، وبذلك اتضح مقدار سعدة الشريعة الإسلامية. وتناولها لكل ما يجد في الحياة.

وإنها بحق: صالحة لتنظيم جميع الشئون: اجتماعية، أو فردية إلى يوم الدين. هذا، ولم يتفق العلماء الباحثون في القرآن على عدد آيات الأحكام، نظرا لاختلاف الأفهام، وتفاوت جهات الدلالة.


١ النساء: ٥٩.
٢ النساء: ٨٣.
٣ النحل: ٤٣.

<<  <   >  >>