عرفوا الحجاب إني حضرت في مهم، فعرفوهم فخرج إلي أحدهم فقال: إنه إلى ساعة ينتبه فيجلس، فقلت: الأمر أهم من ذاك، فنبهه وعرفه عني، فدخل وأبطأ ساعة ثم خرج وأدخلني إلى دار حتى انتهيت إلى مرقده وهو جالس على سرير له وحواليه نحو خمسين فراشاً وغلمان كأنهم حفة وهو مرتاع قد ظن أن حادثة حدثت وأني جئته برسالة الخليفة وهو متوقع لما أورده، فقام فرفعني وقال: ما الذي جاء بك في هذا الوقت؟ هل حدثت حادثة أو معك من الخليفة رسالة؟ قلت: خير ما حدثت حادثة، ولا معي رسالة، ولا جئت إلا في أمر يخصني، ويخص الوزير، ولم تصلح المفاوضة فيه إلا على خلوة. فسكن وقال لمن حوله: انصرفوا. فمضوا وقال: هات، قلت: أيها الوزير إنك قد قصدتني أقبح قصد وشرعت في هلاكي وإزالة نعمتي، وفي إزالتها خروج نفسي وليس عن النفس عوض، ولعمري إني أسأت في خدمتك وقد كان في هذا التقويم بلاغ وجد عندي، وقد اجتهدت في إصلاحك بكل ما قدرت عليه، وأبيت إلا الإقامة على إيذائي، وليس شيء أضعف في الدنيا من السنور، وإذا عوينت في دكان البقال وظفر صاحبها بها ولزها إلى زاوية ليخنقها، وثبت عليه فخدشت وجهه وبدنه، ومزقت ثيابه، وطلبت الحياة بكل ما يمكنها، وقد وجدت نفسي معك في هذه الصورة ولست أضعف من السنور بطشاً، وقد جعلت هذا الكلام عذراً بيناً فإن نزلت تحت حكمي في الصلح وإلا فعلي وعلي، وحلفت أيماناً مغلظة لأقصدن الخليفة الساعة ولأحولن إليه من خزائني ألفي ألف دينار عيناً وورقاً ولا أصبح إلا وهي عنده، وأنت تعلم قدرتي عليها، وأقول خذ هذا المال وسلم ابن الفرات إلى فلان واستوزره، وأذكر له أقرب من يقع في نفسي أنه يجيب إلى تقليده ممن له وجه مقبول ولسان عذب وخط حسن، ولا أعتمد إلا على بعض كتابك فإنه لا يفرق بينك وبينهم إذا رأى المال حاضراً، فيسلمك في الحال ويراني المتقلد بعين من أخذه وهو صغير فجعله وزيراً، وغرم عليه هذا المال الكثير فيخدمني ويتدبر برأيي، وأسلمك إليه