أحدهما: أنه أخرج ذلك مخرج القاصد لتأثر المعاقب له، وجهل أن الحق سبحانه لا يتأثر ولا يؤذيه شيءٌ، ولا ينفعه، لأنه الغني بنفسه. والثاني: نسي أنه من أريد حفظه لم يقدر على إغوائه، ثم انتبه لذلك فقال:" إلا عبادك منهم المخلصين "، فإذا كان فعله لا يؤثر وإضلاله لا يكون لمن قدرت له الهداية فقد ذهب علمه باطلاً.
[رضي إبليس بالخساسة]
ثم رضي لخساسة همته بمدة يسيرة يعلم سرعة انقضائها فقال:" انظرني إلى يوم يبعثون " وصارت لذته في إيقاع العاصي بالذنب كأنه يغيظ بذلك ولجهله بالحق أنه يتأثر، ثم نسي قرب عقابه الدائم فلا غفلة كغفلته ولا جهالة كجهالته وما أعجب قول القائل في إبليس: الرجز:
عجبت من إبليس في نخوته ... وخبث ما أظهر من نيته
تاه على آدم في سجدةٍ ... وصار قواداً لذريته
[ابن الراوندي الفيلسوف الأحمق]
وما رأيت من غير إبليس وزاد عليه في الجنون والتغفيل مثل أبيالحسين ابن الراوندي فإن له كتباً يزري فيها على الأنبياء عليهم السلام ويشتمهم، ثم عمل كتاباً يرد فيه على القرآن ويبين أن فيه لحناً، وقد علم أن هذا الكتاب العزيز قد عاداه خلق كثير ما فيهم من تعرض لذلك منه ولا قدر.
[زعم أنه استدرك على الفصحاء]
فاستدرك هو بزعمه على الفصحاء كلهم. ثم عمل كتاب الدامغ فأنا أستعصم أن أذكر بعض ما ذكر فيه من التعريض للرد على الخالق سبحانه، وذكر إياه بأقبح ما يذكر به آدمي مثل أن يقول: منه الظلم ومنه الشر، في عبارات أقبح من هذه قد ذكرت بعضها في التاريخ، فالعجب ممن يعترض على الخالق بعد إثباته. فأما الجاحد فقد استراح، أتراه خلق لهؤلاء عقولاً كاملة وفي صفاته هو نقص، تعالى الله عن تغفيل هؤلاء.