صدرت عنهم أفعال الحمقى وأصروا عليها مستصوبين لها فصاروا بذلك الإصرار حمقى ومغفلين
[أول العقلاء الحمقى إبليس]
فأول القوم إبليس، فإنه كان متعبداً مؤذناً للملائكة فظهر منه من الحمق والغفلة ما يزيد على كل مغفل، فإنه لما رأى آدم مخلوقاً من طين، أضمر في نفسه لئن فضلت عليه لأهلكنه، ولئن فضل علي لأعصينه. ولو تدبر الأمر لعلم أنه كان الاختيار قد سبق لآدم لم يطق مغالبته بحيلة ولكنه جهل القدر ونسي المقدار.
[اعتض على حكمة الله]
ثم لو وقف على هذه الحالة لكان الأمر يحمل على الحسد، ولكنه خرج إلى الإعتراض على المالك بالتخطئة للحكمة، فقال:" أرأيتك هذا الذي كرمت علي " والمعنى لم كرمته؟ ثم زعم أنه أفضل من آدم بقوله:" خلقتني من نارٍ وخلقته من طين " ومجموع المندرج في كلامه: أني أحكم من الحكيم وأعلم من العليم، وأن الذي فعله من تقديم آدم ليس بصواب هذا، وهو يعلم أن علمه مستفادٌ من العالم الأكبر فكأنه يقول: يا من علمني أنا أعلم منك، ويا من قدر تفضيل هذا علي ما فعلت صواباً.
[رضي بإهلاك نفسه]
فلما أعيته الحيل رضي بإهلاك نفسه فأوثق عقد إصراره ثم أخذ يجتهد في إهلاك غيره ويقول لأغوينهم، وجهله في قوله " لأغوينهم " من وجهين؛