للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأول: سلامة من أخذوا عنه من العرب المقطوع بعراقتهم في العروبة، وصونهم فطرهم من تسرب الوهن إليها من رطانة الحضارة حتى لم يأخذوا إلا عن سكان البوادي. الثاني: الثقة برواية ما سمعوه عنهم من طريق الحفظة. الثالث: الكثرة الفياضة من هذا المسموع التي تخول لهم القطع بنظائره، وتسلمهم إلى الاطمئنان عليه في نوط القواعد به"، انتهى ملخصًا.

وقد استشهد شيخنا الطنطاوي -رحمه الله- على تحرز علماء البصرة عن التلقي ممن يلمحون عليهم ضعفًا في اللغة من العرب الذين يأخذون عنهم بما قاله ابن جني في (الخصائص) في باب ترقب اللغات، من أن أبا عمرو بن العلاء، وهو من أشهر العلماء البصريين الذين اعتمد سيبويه على علمهم في (الكتاب)، استضعف فصاحة أبي خيرة نهشل بن زيد لما سأله عن قول العرب: استأصل الله عرقاتهم أي: قلع أصولهم، فنصب أبو خيرة التاء من عِرْقاتهم، وهو جمع عرقة، ومعناها الأصل، فهو جمع مؤنث سالم وقع مفعولًا به، فقال له أبو عمرو: "هيهات أبا خيرة، لان جلدك". يريد أنه بَعُد عهده بالبادية؛ حيث الخشونة والقشف، وأثر فيه الحضر، فنال ذلك من فصاحته.

ويقول المرحوم الدكتور شوقي ضيف -رحمه الله- في كتابه (المدارس النحوية): "وعلى هذه الشاكلة شادت البصرة صرح النحو، ورفعت أركانه؛ بينما كانت الكوفة مشغولة عن ذلك كله، على الأقل حتى منتصف القرن الثاني للهجرة بقراءات الذكر الحكيم، ورواية الشعر والأخبار، وقلما نظرت في قواعد النحو إلا ما سقط إلى بعض أساتذتها من نحاة البصرة؛ إذ كانوا يتتلمذون لهم، ويختلفون إلى مجالس محاضراتهم، وإملاءاتهم، وكان القدماء يعرفون ذلك معرفة

<<  <   >  >>