للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونتحدث عن رأي إمام النحاة سيبويه في وثاقة العلة، مذكرين بأننا حين نتحدث عن العلة النحوية، فإنما نريد بها ما يشمل علل الأحكام المستنبطة من الواقع اللغوي العربي النثري، والشعري، المحتج به؛ سواء ما يتعلق بالمفردات وما يتعلق بالتراكيب، فمرادنا بالنحو في مادتنا هذه النحو بمفهومه القديم الشامل للقواعد النحوية والصرفية، وقد أبان سيبويه -رحمه الله- رأيه في وثاقة العلة النحوية في عبارة واحدة نقلها عنه ابن جني في (الخصائص)، ونقلها السيوطي عن ابن جني في (الاقتراح)، وهذه العبارة في كتاب سيبويه في آخر باب ما يحتمله الشعر قال فيها: "وليس شيء يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجهًا" انتهى.

وقد عقب عليها ابن جني بقوله: "وهذا أصل يدعو إلى البحث عن علل ما استكرهوا عليه، نعم، ويأخذ بيدك إلى ما وراء ذلك فتستضيء به، وتستمد التنبه على الأسباب المطلوبات منه" انتهى. ومعنى عبارة سيبويه: أن الضرورة الشعرية مع كونها رخصة للشاعر ينبغي أن يكون لها وجه تُخرج عليه؛ إذ ليس كونها رخصة أن يستعملها الشاعر من غير قيود ولا حدود، فإنه إن تجاوز القيود والحدود عُدَّ خارجًا عن سنن العربية، بعيدًا عن طرقها، ولذلك نرى سيبويه يذكر مثلًا في باب ما لا يجوز فيه الإضمار من حروف الجر: أن الكاف من حروف الجر المختصة بجر الظاهر، ولا يُجر بها الضمير، ثم ذكر آخر الباب أن الشعراء إذا اضطروا أضمروا في الكاف يعني: أدخلوا الكاف على الضمير تشبيهًا لها بلفظ مثل؛ لأنها في معناها، فيجرونها على القياس، واستشهد على هذا بقول العجاج:

وأم أوعال كها أو أقربا

<<  <   >  >>