للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قال: "ولو اضطر شاعر فأضاف الكاف إلى نفسه قال: ما أنتَ كِي، وكَي خطأ من قِبَل أنه ليس في العربية حرف يفتح قبل ياء الإضافة" انتهى. ومعنى هذا أن الشاعر إذا اضطر، فأدخل الكاف على ياء المتكلم أجراها على ما يقتضيه القياس، فكسر الكاف لمناسبة الياء، وليس له أن يتحرر من قيود العربية فيفتح الكاف قبل ياء المتكلم مثلًا بحجة الاضطرار، إذ لو فعل ذلك ما وجد وجهًا صحيحًا يحمل عليه هذه الضرورة.

ويقول أبو سعيد السيرافي في شرحه لكتاب سيبويه موضحًا أن الضرورة الشعرية ليس معناها الخروج عن قواعد اللغة ومقاييسها، يقول: "اعلم أن الشعر لما كان كلامًا موزونًا تكون الزيادة فيه، والنقص منه يُخرجه عن صحة الوزن، حتى يحيله عن طريق الشعر المقصود مع صحة معناه، استجيز فيه لتقويم وزنه من زيادة ونقصان، وغير ذلك ما لا يُستجاز في الكلام مثله، وليس في شيء من ذلك رفع منصوب، ولا نصب مخفوض، ولا لفظ يكون المتكلم فيه لاحنًا، ومتى وُجد هذا في شعر؛ كان ساقطًا مطرحًا، ولم يدخل في ضرورة الشعر"، انتهى.

وهكذا للضرورة الشعرية عند سيبويه وغيره من النحويين حدود تنتهي إليها، وغاية تقف عندها، ومقاييس يلتزم الشعراء بها، ولا يتجاوزونها، وذلك لأن الضرورة الشعرية مخالفة لسنن الكلام المنثور، خارجة عن قوانينه بما للشعر من سمات متميزة وطبيعة متفردة تجعله خليقًا بأن يتخفف من كثير من قيود الكلام المنثور، لكنه مع ذلك أحد نوعي التعبير اللغوي، فينبغي أن تتصل بين النوعين الأسباب، وأن تمتد بينهما الوشائج. ولذلك فالمتتبع لضرائر الكتاب يجد أن لكل ضرورة وجهًا تُحمل به على صحيح الكلام، وقد ذكر سيبويه أن وجه الضرورة عنده لا يخرج غالبًا عن أحد أمرين، أشار إلى أولهما بقوله: "اعلم أنه يجوز في الشعر ما لا يجوز في الكلام، من صرف ما لا ينصرف يشبهونه بما ينصرف من

<<  <   >  >>