للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المثال الأول: قال أبو عمرو بن العلاء: "سمعت رجلًا من اليمن يقول: فلان لغوب أي: أحمق جاءته كتابي فاحتقرها، فقلت له: أتقول: جاءته كتابي؟ فقال: نعم، أليس بصحيفة"، فقد نطق العربي بعبارة يوهم ظاهرها مخالفة الصواب، والوقوع في الخطأ؛ إذ إنه عامل الكتاب -وهو لفظ مذكر- معاملة المؤنث، فأنث له الفعل جاءته، وأعاد الضمير إليه مؤنثًا احتقرها. وقد أنكر أبو عمرو بن العلاء صنيع الأعرابي، وسأله: "أتقول: جاءته كتابي؟ " وهو سؤال يُفهم منه الإنكار على الأعرابي تأنيث المذكر، فقال الأعرابي مجيبًا عما ارتكبه من التأنيث بأنه يطلق على الكتاب صحيفة فيؤنث باعتبارها؛ لأنهما بمعنًى واحد. وقد علق ابن جني على هذه القصة بقوله: "أفتراك تريد من أبي عمرو وطبقته، وقد نظروا، وتدربوا وقاسوا، وتشرفوا أن يسمعوا أعرابيًّا جافيًا غفلًا يُعلِّل هذا الموضع بهذه العلة، ويحتجُّ لتأنيث المذكر بما ذكره، فلا يهتاجوا هم لمثله، ولا يسلكوا فيه طريقته فيقول: فعلوا كذا لكذا، وصنعوا كذا لكذا، وقد شرع لهم العربي ذلك، ووقفهم على سمته وأمِّه" انتهى. والذي يرمي إليه ابن جني من تعليقه السابق هو أن العلة التي نص عليها ذلك الأعرابي تُعدُّ مسلكًا ثابتًا يجب الاعتماد عليه.

والمثال الثاني عن المبرد أنه قال: "سمعت عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير يقرأ "ولا الليل سابق النهارَ" (يس: ٤٠) فقلت له: ما تريد؟ أي: ما تريد بحذف التنوين ونصب المضاف إليه، فإنه غير معروف في مشهور الكلام، قال: سابقٌ النهار يعني: بالتنوين الموجب للنصب، فقلت له: فهلا قلته؟ فقال: لو قلته لكان أوزن"، فقد قرأ القارئ بما يخالف المعهود في لسان العرب؛ لأن المعهود في هذه الآية ونحوها أمران:

<<  <   >  >>