للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأول: أن ينوَّن اسم الفاعل وينصب معموله، كما يقال مثلًا: هذا ضاربٌ زيدًا، والثاني: أن يُحذف التنوين من اسم الفاعل ويجر معموله بالإضافة، فيقال مثلًا: هذا ضارب زيد، ولم يقرأ القارئ بأحد هذين الأمرين، بل حذف التنوين من سابق، ونصب النهار، فقال: "ولا الليل سابق النهار". ولما كان ما صنعه القارئ مخالفًا لمعهود الكلام العربي الفصيح أنكره عليه المبرد، فسأله مستنكرًا: "ما تريد بحذف التنوين والنصب؟ فقال: أردت سابقٌ النهار"، أي: بتنوين اسم الفاعل الموجب نصب معموله، وقد عدل القارئ عن ذلك؛ فرارًا من الثقل إلى الخفة، لأنه رأى أن التنوين أثقل على اللسان، وأشق على النفس، فعدل عنه مع نيته وتقديره، ولذلك أبقى النهار منصوبًا. ومثله قول أبي الأسود الدؤلي:

فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكرِ الله إلا قليلًا

بنصب لفظ الجلالة مع إسقاط التنوين من اسم الفاعل ذاكر تخفيفًا، وإن كان سيبويه قد جعل حذف التنوين في البيت المذكور للضرورة، وقيل: إن حذف التنوين في قراءة عمارة وفي البيت لغة قليلة لقوم من العرب، وعليها جاءت قراءة "قل هو الله أحدُ * الله الصمد" دون تنوين أحد. وقد علَّق ابن جني على قصة قراءة عمارة بقوله: "ففي هذه الحكاية لنا ثلاثة أغراض؛ أحدها: تصحيح قولنا: إن أصل كذا كذا، والثاني: قولنا: إنها -أي: العرب- فعلت كذا لكذا، ألا تراه إنما طلب الخفة يدل عليه قوله: لكان أوزن أي: أثقل في النفس وأقوى، من قولهم: هذا درهم وازن أي: ثقيل، ذو وزن. والثالث: أنها قد تنطق بالشيء غيره في أنفسها أقوى منه لإيثارها التخفيف" انتهى.

فقوله: "تصحيح قولنا: إن أصل كذا كذا" مأخوذ من قول القارئ: "سابق النهار" بإسقاط التنوين أصله سابقٌ النهار بإثباته، وقوله: "إنها قد تنطق بالشيء

<<  <   >  >>