المترجمة إلى اللاتينية -وهي لغة العلم في جميع بلاد أوروبا يومئذ- واستمرت الجامعات الغربية تعتمد على كتب العرب، وتعتبرها المراجع الأصلية للدراسة قرابة ستة قرون.
ويذكر بعض الباحثين أن هذه المحاولات الاستشراقية التي بدأت في وقت مبكر لا تعدو أن تكون فردية أو جماعية محدودة، برزت بشكل أكثر شمولاً في بعض البلاد الأوروبية خلال القرن الثالث عشر الميلادي، ويكاد الدارسون لتاريخ الاستشراق يجمعون على أن انتشاره في أوروبا ظهر بصفة جدية بعد فترة ما يسمى في التاريخ الأوربي "عهد الإصلاح الديني"١.
ولم ينقطع منذ ذلك الوقت وجود أفراد درسوا الإسلام واللغة العربية، وترجموا معاني القرآن وبعض الكتب العربية العلمية والأدبية، حتى جاء القرن الثامن عشر -وهو العصر الذي بدأ فيه الغرب في استعمار العالم الإسلامي والاستيلاء على ممتلكاته- فإذا بعدد من علماء الغرب ينبغون في الاستشراق ويصدرون لذلك المجلات في جميع الممالك الغربية، ويغيرون على المخطوطات العربية في البلاد العربية والإسلامية فيشترونها من أصحابها الجهلة، أو يسرقونها من المكتبات العامة التي كانت في نهاية الفوضى، وينقلونها إلى بلادهم ومكتباتهم وإذا بأعداد هائلة من نوادر المخطوطات العربية تنتقل إلى مكتبات أوربا، وقد بلغت في أوائل القرن التاسع عشر مائتين وخمسين ألف مجلد وما زال هذا العدد يتزايد حتى اليوم.
"ويعتمد المستشرقون -فيما يعتمدون- على عقد المؤتمرات العامة من وقت لآخر لتنظيم نشاطهم، وأول مؤتمر عقدوه كان في سنة ١٧٨٣م وما زالت مؤتمراتهم تتكرر حتى اليوم.
وفي العصر الحديث تقوم المؤسسات الدينية والسياسية والاقتصادية في
١ انظر: "التفكير الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي" تأليف: الدكتور محمد البهي ص٥٣٢.