ومن هنا نرى أن التفرقة بين الحضارة والثقافة ليست أمرًا لا بد منه؛ وذلك لأن المظاهر الحضارية المادية والمعنوية تتضافر جميعًا في إنشاء النظم الاجتماعية التي تعد "الثقافة" قلبها النابض ولبناتها الأساسية، أضف إلى ذلك أن أحدًا لا يستطيع أن يتجاهل ذلك التجاوب الملحوظ والتفاعل الدائم بين الأمور المعنوية والمادية في المجتمع.
وإن مما يؤكد أيضًا علاقة التلازم بين الثقافة والحضارة، وتجاوب ما تدلان عليه من الناحيتين المادية والمعنوية -من غير إلحاح على الفواصل بينهما- أن الحضارة إذا كانت هي التطبيق المادي للتراث الثقافي؛ فهي -من ناحية أخرى- وليدة هذا التراث في البيئة التي تقوم فيها؛ ثم إنها كذلك المرآة التي تعكس لنا مقومات ثقافة المجتمع وخصائصها العامة.
من هذا كله ينبغي أن لا نوسع الهوة التي تفصل بين اللفظين، ولا ضير إذا أطلقنا كملتي: ثقافة أو حضارة على مفاهيم واحدة، بحيث نتحرر من الخط