لم يكن المشركون من العرب بدعًا بين الأمم في التكذيب والإعراض، فقد سبقتهم في طريق الضلال أمم وأقوام صَوَّر القرآن الكريم ما حلَّ بهم من العذاب والنكال؛ نتيجة كفرهم وضلالهم وإعراضهم عن دين الله.
١- فهناك قوم نوح الذين كانوا شر أسوة لمن بعدهم من الضالين المكذبين للرسل، فقد قصَّ القرآن الكريم أنهم كذبوا بآيات الله ورسالته، وكذبوا عبده ورسوله نوحًا عليه السلام، ونالوه بالمساءة والسخرية، ووصفوه بالجنون، وتوعدوه بالرجم، ونهروه بقسوة وعنف.... وحين ضاق بهم ذرعا، واستنفد طاقته في تبليغهم وإنذارهم، ولم يعد يجد من سبيل إلى ردعهم وإصلاح حالهم.. دعا ربه منيبًا أن قومه غلبوه تمرُّدًا وعُتُوًّا، ولم يسمعوا منه، فاستحكم يأسه منهم، ولم يعد له طاقة بهم، وكان دعاؤه ابتهالاً إلى الله أن ينتصر منهم لدعوته بعقابٍ من عنده.. وأجاب الله دعاءه، ووقع الطوفان هلاكًا ماحقًا، يغمر وجه الأرض، ويطوي ما عليها من الشر والدنس، بعد أن لَجَّ الضالون في الباطل، وأصروا على الكفر والجحود، وبلغوا الغاية في العتُوِّ والاستكبار..
وفي غمرات الشدة -والطوفان يطوي المكذبين ويغرق الجاحدين- تدرك رحمة الله تبارك وتعالى أولئك الذين آمنوا بالله، واستجابوا للحق، وصبروا على إيذاء الكافرين، فينجي الله نوحًا والذين آمنوا معه من قومه، ويكرمهم بحملهم في هذه السفينة، التي جعلها سبحانه آية للأجيال على كر الدهور وتوالي العصور لمن يتذكر ويعتبر.