للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويلاحظ أن المستشرقين اليهود أمثال "جولد تسيهر" و"شاخت" هم أشد حرصًا على ادعاء استمداد الإسلام من اليهودية وتأثيرها فيه، أما المستشرقون المسيحيون فيجرون وراءهم في هذه الدعوى؛ إذ ليس في المسيحية تشريع يستطيعون أن يزعموا تأثر الإسلام به وأخذه منه، وإنما فيها مبادئ أخلاقية زعموا أنها أثرت في الإسلام، ودخلت عليه منها، كان المفروض في الديانات الإلهية أن تتعارض مبادئها الأخلاقية، وكأن الذي أوحى بدين هو غير الذي أوحى بدين آخر، فتعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.

والظاهر أن المستشرقين اليهود أقبلوا على الاستشراق لأسباب دينية ترمي إلى التشكيك في قيم الإسلام بدعوى فضل اليهود عليه وأنها هي مصدره الأول، وأسباب سياسية تتصل بخدمة الصهيونية فكرة أولاً ثم دولة ثانيًا١.

وحول ما يتعلق بالإسلام يدعي المستشرقون أن المجتمع الإسلامي في صلته بالإسلام لم يكن على نحو قوي إلا فترة قصيرة هي الفترة الأولى التي يطلقون عليها "عهد بدائية المجتمع الإسلامي" التي أوجدت نوعًا من التلازم بين الحياة فيه وتعاليم الإسلام، ويزعمون أنه كلما تطور المجتمع ازدادت الفجوة لأن الإسلام لا يوافق التطور.

ومن هنا يسارعون إلى تقرير أن التخلف عن تنفيذ تعاليم الإسلام تمليه الضرورة الاجتماعية تحت ضغط ظروف الحياة المتجددة التي لا يستطيع الإسلام -كما يزعمون- أن يكيفها في تعاليمه، وعلى هذا فإن تطبيق الإسلام في نظرهم إنما يعني العزلة والتخلف. ويرون أن الحل هو في الخضوع -لما يسمونه قانون التطور- ولا يتم ذلك كما ينادون إلا بالسير


١ انظر: "المستشرقون مالهم وما عليهم" للدكتور مصطفى السباعي.
وانظر: "الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي" للدكتور محمد البهي ص٥٣٤.

<<  <   >  >>