للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طريق إحياء القوميات التي كانت لهم قبل الإسلام، وإثارة الخلافات والنعرات بين شعوبهم، وكذلك يفعلون في البلاد الإسلامية، ويجهدون لمنع اجتماع شملها ووحدة كلمتها بكل ما في أذهانهم من قدرة على تحريف الحقائق، وتصيد الحوادث الفردية في التاريخ، ليصنعوا منها تاريخًا جديدًا يدعو إلى ما يريدون من منع الوحدة بين البلاد العربية والإسلامية والتفاهم على الحق والخير بين جماهيرها المؤمنة.

١٠- ومن الإنصاف أن نذكر أن لبعض المستشرقين أهدافًا علمية خالصة لا يقصد منها إلا البحث والتمحيص، ودراسة التراث العربي والإسلامي دراسة تجلو لهم بعض الحقائق الخافية عنهم، وهذا الصنف قليل عدده جدًّا، وهم مع إخلاصهم في البحث والدراسة لا يسلمون من الأخطاء والاستنتاجات البعيدة عن الحق، إما لجهلهم بأساليب اللغة العربية، وإما لجهلهم بالأجواء الإسلامية التاريخية على حقيقتها، فيحبون أن يتصوروها كما يتصورون مجتمعاتهم، ناسين الفروق الطبيعية والنفسية والزمنية التي تفرق بين الأجواء التاريخية التي يدرسونها، وبين الأجواء الحاضرة التي يعيشونها.

وهذه الفئة أسلم الفئات الثلاثة في أهدافها، وأقلها خطرًا، إذ سرعان ما يرجعون إلى الحق حين يتبين لهم، ومنهم من يعيش بقلبه وفكره في جو البيئة التي يدرسها، فيأتي بنتائج مع الحق والصدق والواقع، ولكنهم يلقون عنتًا من أصحاب الهدفين السابقين، إذ سرعان ما يتهمونهم بالانحراف عن النهج العلمي، أو الانسياق وراء العاطفة، أو الرغبة في مجاملة المسلمين والتقرب إليهم، كما فعلوا مع "توماس أرنولد" حين أنصف المسلمين في كتابه العظيم: "الدعوة إلى الإسلام" فقد برهن على تسامح المسلمين في جميع العصور مع مخالفيهم في الدين، على عكس مخالفيهم معهم، هذا الكتاب الذي يعتبر من أدق وأوثق المراجع

<<  <   >  >>