للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ} ١.

٤- وإذا كان القرآن الكريم كتاب عقيدة وهداية، فإن خير ما يطلب كانت العقيدة في مجال العلم أن يحث على التفكير، ولا يتضمن حكمًا من الأحكام يشل حركة العقل وتفكيره، أو يحول بينه وبين الاستزادة من العلوم، ما استطاع حيثما استطاع، وكل هذا مكفول للمسلم في كتابه، كما لم يُكْفَلْ قَطٌّ في كتاب من كتب الأديان، وهو بذلك يطابق العلم، أو يوافق العلوم الطبيعية بهذا المعنى الذي تستقيم به العقيدة، ولا تتعرض للنقائض والأظانين، كلما تبدلت القواعد العلمية، أو تتابعت الكشوف بجديد ينقض القديم أو يبطل التخمين٢.

على أنه ليس لنا أن نتلمس للنصوص القرآنية مصداقًا من النظريات العلمية -حتى ولو كان ظاهر النص يتفق مع النظرية وينطبق- فالنظرية العلمية قابلة دائمًا للانقلاب رأسًا على عقب، كلما اهتدى العلماء إلى فرض جديد، وامتحنوه فوجدوه أقرب إلى تفسير الظواهر الكونية من الفرض القديم، الذي قامت عليه النظرية الأولى، والنص القرآني صادق بذاته، اهتدى العلم إلى الحقيقة التي يقررها أم لم يهتدِ.

وفرق ما بين الحقيقة العلمية والنظرية العلمية، فالحقيقة العلمية قابلة للتجربة وثابتة في جميع الأحوال. أما النظرية العلمية فهي قائمة على فرض يفسر ظاهرة كونية أو عدة ظواهر، وهي قابلة للتغيير والتبديل والانقلاب، ومن ثم فلا يحمل القرآن عليها، ولا تحمل هي على القرآن، فلها طريق غير طريق القرآن، ومجال غير مجال القرآن.

وتَلمُّس موافقات من النظريات العلمية للنصوص القرآنية هو هزيمة


١ العنكبوت: "٤٣".
٢ انظر "الفلسفة القرآنية": عباس محمود العقاد. ص١٦-١٨.

<<  <   >  >>