للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما الذين آثروا الروحانية المغرقة؛ فقد رأوا في الجسد سجنًا للروح يحول بينها وبين أشواقها العالية، وسموها الكبير، فتنكبوا سبيل الفطرة بما اخترعوا من ضروب الرياضات الروحية الشاقة التي تقوم على تعذيب الجسد وإرهاقه، وتحول الإنسان بنزعتهم هذه إلى شبح معروق هزيل مقطوع الصلة بالحياة.. يسكن المغاور والكهوف ويلوذ بالزوايا المعتمة، وينفر من حركة العمران البشري، ويقطع صلته بإخوانه من بني الإنسان.

١- أما موقف الإسلام من هذا فهو مختلف عما تراه النظم الدينية والفلسفية الأخرى في العالم، فهو يقول: "إن الروح البشرية قد جعلها الله خليفة في الأرض، وفَوَّضَ إليها جملة صالحة من حقوق التصرف والواجبات والتبعات، وأنعم عليها الأداء -كل ذلك- بجسد من أحسن الأجساد هيئة وتقويمًا، فالحق أن الروح لم تُؤْتَ هذا الجسد إلا لتستخدمه فيما وهب لها الله من التصرف، ولتؤدي بها ما عليها من الواجبات، فالجسد ليس بسجن للروح، بل هو معمل لها، فإن كانت هذه الرُّوح قُدِّرَ لها شيء من النمو والرقي؛ فإنما يمكن تحققه بإظهار مواهبها واستعدادها الفطري باستخدام آلات هذا المعمل وقواه"١.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الدين يُسْرٌ، ولن يُشَادَّ الدين أحد إلا غَلَبَهُ، فسدِّدُوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيء من الدلجة" ٢.

فمنهج الإيمان -وفق ما رسمته شريعة الإسلام- هو منهج القصد والاعتدال الذي تستقيم به الحياة، ويصلح أمر الإنسان، وبهذا المنهج


١ أبو الأعلى المودودي: "نظام الحياة في الإسلام" ص٧٦.
٢ رواه البخاري.

<<  <   >  >>