ب- وليس التصور الفلسفي للإنسان -كما هو الحال في الفلسفات القديمة والحديثة- خيرًا من هذا التصور النصراني الذي جاءت به الكنيسة. إنه لدى كثير من هذه الفلسفات والنظريات تصور ناقص محدود يتناول الإنسان من بعض جوانبه ويهمل جوانبه الأخرى؛ فهو -مثلًا- يتناول الإنسان من جانب مزاياه العقلية فحسب دون النظر إلى المزايا الأخرى، وقد تعنى بعض التصورات بنواحيه الاجتماعية فقط، وتمهل ما عدا ذلك، كما أن بعض التصورات جاءت بافتراضات عجيبة حول ترتيب الإنسان بين أنواع الأحياء الأخرى وفق ما يسمى بمذهب النشوء والارتقاء؛ وبهذا نجد أن الإنسان لدى جل هذه الفلسفات والنظريات لا يعدو أن يكون حيوانًا ناطقًا تارة، وحيوانًا مدنيًا أو سياسيًا أخرى، أو حيوانًا راقيًا حينًا، أو إنسانًا مثقلًا بالخطيئة وارثًا للغواية حينًا آخر..
ج- "أما الإسلام فإنه لا يعرف الخطيئة الموروثة، ولا يعرف السقوط من طبيعة إلى ما دونها، فلا يحاسب أحدًا بذنب أبيه، ولا تزر وازرة وزر أخرى، وليس مما يدين به المسلم أن يرتد النوع الإنساني إلى ما دون طبيعته؛ ولكنه مما يؤمن به أن ارتفاع الإنسان وهبوطه منوطان بالتكليف، وقوامه الحرية والتبعة؛ فهو بأمانة التكليف قابل للصعود إلى قمة الخليقة، وهو بالتكليف قابل للهبوط إلى أسفل سافلين، وهذه هي الأمانة التي رفعته مقامًا فوق مقام الملائكة، وهبطت به مقامًا إلى زمرة الشياطين"١.
إن الإسلام يبطل كل التصورات المنحرفة والمتطرفة والفاسدة عن الإنسان حين يضع الإنسان أمام حقيقته من حيث أصل الخلقة؛ حيث يقول الله تعالى:
١ عباس محمود العقاد: "حقائق الإسلام وأباطيل خصومه" ص٧٧