للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قِيلَ: لَيْسَ ذَلِكَ نُكُولًا، وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَى الرِّضَا بِمَا اُسْتُؤْذِنَتْ فِيهِ، لِأَنَّهَا تَسْتَحِي مِنْ الْكَلَامِ وَيَلْحَقُهَا الْعَارُ لِكَلَامِهَا الدَّالِّ عَلَى طَلَبِهَا، فَنَزَّلَ سُكُوتَهَا مَنْزِلَةَ رِضَاهَا لِلضَّرُورَةِ. وَهَاهُنَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَسْتَحِي مِنْ الْكَلَامِ وَلَا عَارَ عَلَيْهِ فِيهِ فَلَا يُشْبِهُ الْبِكْرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصَلِّ فِي رد الْيُمْن]

٥١ - (فَصْلٌ)

إذَا قُلْنَا بِرَدِّ الْيَمِينِ، فَهَلْ تُرَدُّ بِمُجَرَّدِ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَمْ لَا تُرَدُّ حَتَّى يَأْذَنَ فِي ذَلِكَ؟ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إذْنُ النَّاكِلِ، لِأَنَّهُ لَمَّا رَغِبَ عَنْ الْيَمِينِ انْتَقَلَتْ إلَى الْمُدَّعِي، لِأَنَّهَا بِرَغْبَتِهِ وَنُكُولِهِ عَنْهَا - مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْحَلِفِ - صَارَ رَاضِيًا بِيَمِينِ الْمُدَّعِي فَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى إذْنَهُ، كَمَا أَنَّهُ بِنُكُولِهِ نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْبَاذِلِ أَوْ الْمُقِرِّ.

وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا تُرَدُّ الْيَمِينُ إلَّا إذَا أَذِنَ فِيهَا النَّاكِلُ، لِأَنَّهَا مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الْمُدَّعِي، وَلَا تَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِهِ.

[فَصَلِّ الطَّرِيقُ السَّادِسُ فِي الْحُكْمِ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِد بِلَا يَمِين وَذَلِكَ فِي صُوَر]

٥٢ - (فَصْلٌ)

الطَّرِيقُ السَّادِسُ الْحُكْمُ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ بِلَا يَمِينٍ وَذَلِكَ فِي صُوَرٍ:

مِنْهَا: إذَا شَهِدَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، «لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَ، وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصِّيَامِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَعَلَى هَذَا: هَلْ يُكْتَفَى بِشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي ذَلِكَ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ ثُبُوتَهُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ: هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ، أَوْ مِنْ بَابِ الشَّهَادَاتِ؟ وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.

قَالَ «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ، فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَا بِلَالُ، أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا» . وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى: لَا يَجِبُ إلَّا بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ.

وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ: مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَمْسِكُوا، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ

<<  <   >  >>