وَلَوْ اُضْطُرَّ إلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، فَحَبَسَهُ عَنْهُ حَتَّى مَاتَ جُوعًا وَعَطَشًا: ضَمِنَهُ بِالدِّيَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَاحْتَجَّ بِفِعْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَقِيلَ لَهُ: تَذْهَبُ إلَيْهِ؟ فَقَالَ: إيْ وَاَللَّهِ.
[فَصَلِّ فِي التَّسْعِير]
١٠٠ - (فَصْلٌ)
وَأَمَّا التَّسْعِيرُ: فَمِنْهُ مَا هُوَ ظُلْمٌ مُحَرَّمٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ عَدْلٌ جَائِزٌ. فَإِذَا تَضَمَّنَ ظُلْمَ النَّاسِ وَإِكْرَاهَهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ عَلَى الْبَيْعِ بِثَمَنٍ لَا يَرْضَوْنَهُ، أَوْ مَنَعَهُمْ مِمَّا أَبَاحَ اللَّهُ لَهُمْ، فَهُوَ حَرَامٌ، وَإِذَا تَضَمَّنَ الْعَدْلَ بَيْنَ النَّاسِ، مِثْلُ إكْرَاهِهِمْ عَلَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَمَنَعَهُمْ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَخْذِ الزِّيَادَةِ عَلَى عِوَضِ الْمِثْلِ، فَهُوَ جَائِزٌ، بَلْ وَاجِبٌ.
فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: فَمِثْلُ مَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ: «غَلَا السِّعْرُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ سَعَّرْتَ لَنَا؟ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ هُوَ الْقَابِضُ الرَّازِقُ، الْبَاسِطُ الْمُسَعِّرُ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلَا يَطْلُبُنِي أَحَدٌ بِمَظْلِمَةٍ ظَلَمْتُهَا إيَّاهُ فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
فَإِذَا كَانَ النَّاسُ يَبِيعُونَ سِلَعَهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ مِنْهُمْ، وَقَدْ ارْتَفَعَ السِّعْرُ - إمَّا لِقِلَّةِ الشَّيْءِ، وَإِمَّا لِكَثْرَةِ الْخَلْقِ - فَهَذَا إلَى اللَّهِ، فَإِلْزَامُ النَّاسِ أَنْ يَبِيعُوا بِقِيمَةٍ بِعَيْنِهَا: إكْرَاهٌ بِغَيْرِ حَقٍّ.
وَأَمَّا الثَّانِي: فَمِثْلُ أَنْ يَمْتَنِعَ أَرْبَابُ السِّلَعِ مِنْ بَيْعِهَا، مَعَ ضَرُورَةِ النَّاسِ إلَيْهَا إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى الْقِيمَةِ الْمَعْرُوفَةِ، فَهُنَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ بَيْعُهَا بِقِيمَةِ الْمِثْلِ، وَلَا مَعْنَى لِلتَّسْعِيرِ إلَّا إلْزَامُهُمْ بِقِيمَةِ الْمِثْلِ، فَالتَّسْعِيرُ هَاهُنَا إلْزَامٌ بِالْعَدْلِ الَّذِي أَلْزَمَهُمْ اللَّهُ بِهِ.
[فَصَلِّ فِي أَقْبَح الظُّلْم]
١٠١ - (فَصْلٌ)
وَمِنْ أَقْبَحِ الظُّلْمِ: إيجَارُ الْحَانُوتِ عَلَى الطَّرِيقِ، أَوْ فِي الْقَرْيَةِ، بِأُجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَلَى أَلَّا يَبِيعَ أَحَدٌ غَيْرُهُ، فَهَذَا ظُلْمٌ حَرَامٌ عَلَى الْمُؤَجِّرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ قَهْرًا، وَأَكْلِهَا بِالْبَاطِلِ، وَفَاعِلُهُ قَدْ تَحَجَّرَ وَاسِعًا، فَيُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْجُرَ اللَّهُ عَنْهُ رَحْمَتَهُ، كَمَا حَجَرَ عَلَى النَّاسِ فَضْلَهُ وَرِزْقَهُ.
[فَصَلِّ فِي حُصِرَ الْبَيْع عَلَى أناس معينين]
١٠٢ - (فَصْلٌ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute