أَبُو يَعْلَى، وَذَكَرَهُ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
فَكُلُّ مَنْ أَخْبَرَ بِشَيْءٍ فَقَدْ شَهِدَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِلَفْظِ " أَشْهَدُ ". وَمِنْ الْعَجَبِ: أَنَّهُمْ احْتَجُّوا عَلَى قَبُولِ الْإِقْرَارِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: ١٣٥] .
قَالُوا: هَذَا يَدُلُّ عَلَى قَبُولِ إقْرَارِ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ، إنَّهُ لَا يُقْبَلُ الْإِقْرَارُ حَتَّى يَقُولَ الْمُقِرُّ " أَشْهَدُ عَلَى نَفْسِي " وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ شَهَادَةً.
قَالَ شَيْخُنَا: فَاشْتِرَاطُ لَفْظِ " الشَّهَادَةِ " لَا أَصْلَ لَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ إطْلَاقُ لَفْظِ " الشَّهَادَةِ " لُغَةً عَلَى ذَلِكَ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَعَلَى هَذَا: فَلَيْسَ الْإِخْبَارُ طَرِيقًا آخَرَ غَيْرَ طَرِيقِ الشَّهَادَةِ.
[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحُكْمِ بِالْخَطِّ المجرد وَلَهُ صُوَر]
٩٠ - (فَصْلٌ)
الطَّرِيقُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ الْحُكْمُ بِالْخَطِّ الْمُجَرَّدِ - وَلَهُ صُوَرٌ ثَلَاثٌ:
الصُّورَةُ الْأُولَى: أَنْ يَرَى الْقَاضِي حُجَّةً فِيهَا حُكْمُهُ لِإِنْسَانٍ، فَيَطْلُبُ مِنْهُ إمْضَاءَهُ وَالْعَمَلَ بِهِ، فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ، فَعَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ، إحْدَاهُنَّ: أَنَّهُ إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ خَطُّهُ نَفَّذَهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَا يُنَفِّذُهُ حَتَّى يَذْكُرَهُ وَالثَّالِثَةُ: أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي حِرْزِهِ وَحَفِظَهُ نَفَّذَهُ، وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ: وَكَذَلِكَ الرِّوَايَاتُ فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ: بِنَاءً عَلَى خَطِّهِ إذَا لَمْ يَذْكُرْهُ.
وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى الْخَطِّ، لَا فِي الْحُكْمِ وَلَا فِي الشَّهَادَةِ، وَفِي مَذْهَبِهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّهُ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ مَحْفُوظًا عِنْدَهُ، كَالرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ عَنْ أَحْمَدَ. وَأَمَّا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، فَقَالَ: الْخَفَّافُ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا وَجَدَ الْقَاضِي فِي دِيوَانِهِ شَيْئًا لَا يَحْفَظُهُ - كَإِقْرَارِ الرَّجُلِ بِحَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ - وَهُوَ لَا يَذْكُرُ ذَلِكَ وَلَا يَحْفَظُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ، وَلَا يُنَفِّذُهُ حَتَّى يَذْكُرَهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: مَا وَجَدَهُ الْقَاضِي فِي دِيوَانِهِ - مِنْ شَهَادَةِ شُهُودٍ شَهِدُوا عِنْدَهُ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ، أَوْ إقْرَارِ رَجُلٍ لِرَجُلٍ بِحَقٍّ، وَالْقَاضِي لَا يَحْفَظُ ذَلِكَ وَلَا يَذْكُرُهُ - فَإِنَّهُ يُنَفِّذُ ذَلِكَ، وَيَقْضِي بِهِ، إذَا كَانَ تَحْتَ خَاتَمِهِ مَحْفُوظًا، لَيْسَ كُلُّ مَا فِي دِيوَانِ الْقَاضِي يَحْفَظُهُ.
وَأَمَّا مَذْهَبُ مَالِكٍ: فَقَالَ فِي " الْجَوَاهِرِ ": لَا يَعْتَمِدُ عَلَى الْخَطِّ إذَا لَمْ يَذْكُرْ، لِإِمْكَانِ التَّزْوِيرِ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: إذَا وَجَدَ فِي دِيوَانِهِ حُكْمًا بِخَطِّهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ: لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ، إلَّا أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ.