[مُقَدِّمَة الْكتاب]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا، أَرْسَلَهُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًّا إلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، فَهَدَى بِنُورِهِ مِنْ الضَّلَالَةِ، وَبَصَّرَ بِهِ مِنْ الْعَمَى، وَأَرْشَدَ بِهِ مِنْ الْغَيِّ، وَفَتَحَ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.
[الْحُكْمِ بِالْقَرَائِنِ]
أَمَّا بَعْدُ: وَسَأَلْت عَنْ الْحَاكِمِ، أَوْ الْوَالِي يَحْكُمُ بِالْفِرَاسَةِ وَالْقَرَائِنِ الَّتِي يَظْهَرُ لَهُ فِيهَا الْحَقُّ، وَالِاسْتِدْلَالِ بِالْأَمَارَاتِ وَلَا يَقِفُ مَعَ مُجَرَّدِ ظَوَاهِرِ الْبَيِّنَاتِ وَالْإِقْرَارِ، حَتَّى إنَّهُ رُبَّمَا يَتَهَدَّدُ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ، إذَا ظَهَرَ مِنْهُ أَنَّهُ مُبْطِلٌ وَرُبَّمَا ضَرَبَهُ، وَرُبَّمَا سَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ تَدُلُّهُ عَلَى صُورَةِ الْحَالِ.
فَهَلْ ذَلِكَ صَوَابٌ أَمْ خَطَأٌ؟ فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ كَبِيرَةٌ عَظِيمَةُ النَّفْعِ، جَلِيلَةُ الْقَدْرِ، إنْ أَهْمَلَهَا الْحَاكِمُ أَوْ الْوَالِي أَضَاعَ حَقًّا كَثِيرًا، وَأَقَامَ بَاطِلًا كَثِيرًا، وَإِنْ تَوَسَّعَ فِيهَا وَجَعَلَ مُعَوِّلَهُ عَلَيْهَا، دُونَ الْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ، وَقَعَ فِي أَنْوَاعٍ مِنْ الظُّلْمِ وَالْفَسَادِ وَقَدْ سُئِلَ أَبُو الْوَفَاءِ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَقَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ حُكْمًا بِالْفِرَاسَةِ، بَلْ هُوَ حُكْمٌ بِالْأَمَارَاتِ. وَإِذَا تَأَمَّلْتُمْ الشَّرْعَ وَجَدْتُمُوهُ يُجَوِّزُ التَّعْوِيلَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ ذَهَبَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى التَّوَصُّلِ بِالْإِقْرَارِ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ وَذَلِكَ مُسْتَنِدٌ إلَى قَوْله تَعَالَى: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [يوسف: ٢٦] وَلِذَا حَكَمْنَا بِعَقْدِ الْأَزَجِ، وَكَثْرَةِ الْخُشُبِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute