الْحَائِطِ، وَمَعَاقِدِ الْقُمُطِ فِي الْخُصِّ، وَمَا يَخُصُّ الْمَرْأَةَ وَالرَّجُلَ فِي الدَّعَاوَى.
وَفِي مَسْأَلَةِ الْعَطَّارِ وَالدَّبَّاغِ إذَا اخْتَصَمَا فِي الْجِلْدِ، وَالنَّجَّارِ وَالْخَيَّاطِ إذَا تَنَازَعَا فِي الْمِنْشَارِ وَالْقَدُومِ، وَالطَّبَّاخِ وَالْخَبَّازِ إذَا تَنَازَعَا فِي الْقِدْرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَلْ ذَلِكَ إلَّا الِاعْتِمَادُ عَلَى الْأَمَارَاتِ؟ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ بِالْقَافَةِ وَالنَّظَرِ فِي أَمْرِ الْخُنْثَى؛ وَالْأَمَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَحَدِ حَالَيْهِ. وَالنَّظَرِ فِي أَمَارَاتِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ، وَاللَّوْثِ فِي الْقَسَامَةِ. انْتَهَى.
فَالْحَاكِمُ إذَا لَمْ يَكُنْ فَقِيهَ النَّفْسِ فِي الْأَمَارَاتِ، وَدَلَائِلِ الْحَالِ، وَمَعْرِفَةِ شَوَاهِدِهِ، وَفِي الْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ وَالْمَقَالِيَّةِ، كَفِقْهِهِ فِي جُزْئِيَّاتِ وَكُلِّيَّاتِ الْأَحْكَامِ: أَضَاعَ حُقُوقًا كَثِيرَةً عَلَى أَصْحَابِهَا. وَحَكَمَ بِمَا يَعْلَمُ النَّاسُ بُطْلَانَهُ لَا يَشُكُّونَ فِيهِ، اعْتِمَادًا مِنْهُ عَلَى نَوْعٍ ظَاهِرٍ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى بَاطِنِهِ وَقَرَائِنِ أَحْوَالِهِ. فَهَاهُنَا نَوْعَانِ مِنْ الْفِقْهِ، لَا بُدَّ لِلْحَاكِمِ مِنْهُمَا: فِقْهٌ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ الْكُلِّيَّةِ، وَفِقْهٌ فِي نَفْسِ الْوَاقِعِ وَأَحْوَالِ النَّاسِ، يُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ الصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ، وَالْمُحِقِّ وَالْمُبْطِلِ. ثُمَّ يُطَابِقُ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا فَيُعْطِي الْوَاقِعَ حُكْمَهُ مِنْ الْوَاجِبِ، وَلَا يَجْعَلُ الْوَاجِبَ مُخَالِفًا لِلْوَاقِعِ. وَمَنْ لَهُ ذَوْقٌ فِي الشَّرِيعَةِ، وَاطِّلَاعٌ عَلَى كَمَالَاتِهَا وَتَضَمُّنِهَا لِغَايَةِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَمَجِيئِهَا بِغَايَةِ الْعَدْلِ، الَّذِي يَسَعُ الْخَلَائِقَ، وَأَنَّهُ لَا عَدْلَ فَوْقَ عَدْلِهَا، وَلَا مَصْلَحَةَ فَوْقَ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الْمَصَالِحِ: تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ السِّيَاسَةَ الْعَادِلَةَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا، وَفَرْعٌ مِنْ فُرُوعِهَا، وَأَنَّ مَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِمَقَاصِدِهَا وَوَضْعِهَا وَحَسُنَ فَهْمُهُ فِيهَا: لَمْ يَحْتَجْ مَعَهَا إلَى سِيَاسَةِ غَيْرِهَا أَلْبَتَّةَ.
فَإِنَّ السِّيَاسَةَ نَوْعَانِ: سِيَاسَةٌ ظَالِمَةٌ فَالشَّرِيعَةُ تُحَرِّمُهَا، وَسِيَاسَةٌ عَادِلَةٌ تُخْرِجُ الْحَقَّ مِنْ الظَّالِمِ الْفَاجِرِ، فَهِيَ مِنْ الشَّرِيعَةِ، عَلِمَهَا مَنْ عَلِمَهَا، وَجَهِلَهَا مَنْ جَهِلَهَا.
وَلَا تَنْسَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَوْلَ سُلَيْمَانَ نَبِيِّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ادَّعَتَا الْوَلَدَ. فَحَكَمَ بِهِ دَاوُد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute