للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَفْعَلْ، فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُ تَخْلِيصُهُ مِنْ هَلَكَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ. وَطَرْدُ هَذَا أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ فَلَمْ يَحْكُمْ لِصَاحِبِهِ بِهِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ عَلَيْهِ بِتَرْكِ الْحُكْمِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُنْتَقَضُ عَلَيْكُمْ بِمَنْ رَأَى مَتَاعَ غَيْرِهِ يَحْتَرِقُ أَوْ يَغْرَقُ أَوْ يُسْرَقُ وَيُمْكِنُهُ دَفْعُ أَسْبَابِ تَلَفِهِ، أَوْ رَأَى شَاتَهُ تَمُوتُ وَيُمْكِنُهُ ذَبْحُهَا، فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.

قِيلَ: الْمَنْصُوصُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَنْ غَيْرِهِ: إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ اسْتَسْقَى قَوْمًا فَلَمْ يَسْقُوهُ حَتَّى مَاتَ، فَأَلْزَمَهُمْ دِيَتَهُ، وَقَاسَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا كُلَّ مَنْ أَمْكَنَهُ إنْجَاءُ إنْسَانٍ مِنْ هَلَكَةٍ فَلَمْ يَفْعَلْ. وَأَمَّا هَذِهِ الصُّورَةُ الَّتِي نَقَضْتُمْ بِهَا: فَلَا تَرِدُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشَّاهِدِ وَالْحَاكِمِ: أَنَّهُمَا مُتَسَبِّبَيْنِ لِلْإِتْلَافِ بِتَرْكِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا مِنْ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمِ، وَمَنْ تَسَبَّبَ إلَى إتْلَافِ مَالِ غَيْرِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُمْسِكِ عَنْ التَّخْلِيصِ سَبَبٌ يَقْتَضِي الْإِتْلَافَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصَلِّ الطَّرِيقُ الثَّامِنُ فِي الْحُكْمِ بِالرَّجُلِ الْوَاحِد وَالْمَرْأَتَيْنِ]

٦٤ - (فَصْلٌ)

الطَّرِيقُ الثَّامِنُ وَمِنْ طُرُقِ الْحُكْمِ؛ الْحُكْمُ بِالرَّجُلِ الْوَاحِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة: ٢٨٢] .

فَإِنْ قِيلَ: فَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ وَالْمَرْأَتَيْنِ بَدَلٌ عَنْ الشَّاهِدَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا يُقْضَى بِهِمَا إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدَيْنِ. قِيلَ: الْقُرْآنُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ لِأَصْحَابِ الْحُقُوقِ بِمَا يَحْفَظُونَ بِهِ حُقُوقَهُمْ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ أَرْشَدَهُمْ إلَى أَقْوَى الطُّرُقِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَقْوَاهَا انْتَقِلُوا إلَى مَا دُونَهَا، فَإِنَّ شَهَادَةَ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ أَقْوَى مِنْ شَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ، لِأَنَّ النِّسَاءَ يَتَعَذَّرُ غَالِبًا حُضُورُهُنَّ مَجَالِسَ الْحُكَّامُ وَحِفْظُهُنَّ وَضَبْطُهُنَّ دُونَ حِفْظِ الرِّجَالِ وَضَبْطِهِمْ، وَلَمْ يَقُلْ سُبْحَانَهُ: اُحْكُمُوا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، وَقَدْ جَعَلَ سُبْحَانَهُ الْمَرْأَةَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الرَّجُلِ فِي عِدَّةِ أَحْكَامٍ:

أَحَدُهَا: هَذَا.

وَالثَّانِي: فِي الْمِيرَاثِ.

وَالثَّالِثُ: فِي الدِّيَةِ.

وَالرَّابِعُ: فِي الْعَقِيقَةِ.

وَالْخَامِسُ: فِي الْعِتْقِ، كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْ النَّارِ وَوَمَنْ أَعْتَقَ

<<  <   >  >>