للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَالَ شُرَيْحٌ: تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إذَا اتَّفَقُوا، وَلَا تُقْبَلُ إذَا اخْتَلَفُوا، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَزْمٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيُّ.

وَقَالَ وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي مُلَيْكَةَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ الزُّبَيْرِ عَنْ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّمَا قَالَ اللَّهُ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢] وَلَيْسُوا مِمَّنْ نَرْضَى.

وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: " هُمْ أَحْرَى إذَا سُئِلُوا عَمَّا رَأَوْا أَنْ يَشْهَدُوا ".

قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: مَا رَأَيْتَ الْقُضَاةَ أَخَذُوا إلَّا بِقَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ.

قَالَتْ الْمَالِكِيَّةُ: قَدْ نَدَبَ الشَّرْعُ إلَى تَعْلِيمِ الصِّبْيَانِ الرَّمْيَ وَالثِّقَافَ وَالصِّرَاعَ وَسَائِرَ مَا يُدَرِّبُهُمْ عَلَى حَمْلِ السِّلَاحِ وَالضَّرْبِ، وَالْكَرِّ وَالْفَرِّ، وَتَصْلِيبِ أَعْضَائِهِمْ وَتَقْوِيَةِ أَقْدَامِهِمْ، وَتَعْلِيمِهِمْ الْبَطْشَ، وَالْحَمِيَّةَ وَالْأَنَفَةَ مِنْ الْعَارِ وَالْفِرَارِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِمْ يُخِلُّونَ وَأَنْفُسُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ يَجْنِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَلَوْ لَمْ نَقْبَلْ قَوْلَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لَأُهْدِرَتْ دِمَاؤُهُمْ.

وَقَدْ احْتَاطَ الشَّارِعُ بِحَقِّ الدِّمَاءِ، حَتَّى قَبِلَ فِيهَا اللَّوْثَ وَالْيَمِينَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ فِي دِرْهَمٍ وَاحِدٍ، وَعَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ تَوَاطَأَتْ مَذَاهِبُ السَّلَفِ الصَّالِحِ، فَقَالَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَمِنْ التَّابِعِينَ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَشُرَيْحٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَابْنُ شِهَابٍ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَ: مَا أَدْرَكْتُ الْقُضَاةَ إلَّا وَهُمْ يَحْكُمُونَ بِقَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي الزِّنَادِ وَقَالَ: هِيَ السُّنَّةُ.

قَالُوا: وَشَرْطُ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ فِي ذَلِكَ: كَوْنُهُمْ يَعْقِلُونَ الشَّهَادَةَ، وَأَنْ يَكُونُوا ذُكُورًا أَحْرَارًا، مَحْكُومًا لَهُمْ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، مُتَّفِقِينَ غَيْرَ مُخْتَلِفِينَ، وَيَكُونُ ذَلِكَ قَبْلَ تَفَرُّقِهِمْ وَتَخْبِيرِهِمْ، وَيَكُونُ ذَلِكَ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَيَكُونُ فِي الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ خَاصَّةً، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى كَبِيرٍ أَنَّهُ قَتَلَ صَغِيرًا، وَلَا عَلَى صَغِيرٍ أَنَّهُ قَتَلَ كَبِيرًا.

قَالُوا: وَلَوْ شَهِدُوا، ثُمَّ رَجَعُوا عَنْ شَهَادَتِهِمْ أَخَذَ بِالشَّهَادَةِ الْأُولَى، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى مَا رَجَعُوا إلَيْهِ، قَالُوا: وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِمْ تَعْدِيلٌ وَلَا تَجْرِيحٌ.

قَالُوا: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْعَدَاوَةِ وَالْقَرَابَةِ: هَلْ تَقْدَحُ فِي شَهَادَتِهِمْ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَرَيَانِ هَذَا الْحُكْمِ فِي إنَاثِهِمْ، أَمْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالذُّكُورِ فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْإِنَاثِ عَلَى قَوْلَيْنِ.

[فَصَلِّ الطَّرِيقُ السَّادِسَ عَشَرَ فِي الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْفُسَّاق وَذَلِكَ فِي صُوَر]

٧٨ - (فَصْلٌ)

الطَّرِيقُ السَّادِسَ عَشَرَ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ الْفُسَّاقِ - وَذَلِكَ فِي صُوَرٍ:

إحْدَاهَا: الْفَاسِقُ بِاعْتِقَادِهِ، إذَا كَانَ مُتَحَفِّظًا فِي دِينِهِ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُ مَقْبُولَةٌ وَإِنْ حَكَمْنَا بِفِسْقِهِ،

<<  <   >  >>