قَالَ: وَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نَقُولُ: إنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ آخَرَ، وَلِهَذَا يَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ بِالشَّاهِدِ وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَاهَا احْتِيَاطًا. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَثْبُتَ الْحَقُّ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ. قِيلَ: هَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، كَمَا قَالَهُ الْمُخَالِفُ فِي الْهِلَالِ فِي الْغَيْمِ، وَفِي الْقَابِلَةِ، وَهُوَ ضَرُورَةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَاتِ تَكْثُرُ وَتَتَكَرَّرُ، فَلَا يُتَّفَقُ كُلُّ وَقْتٍ شَاهِدَانِ، وَقِيَاسُهَا عَلَى احْتِيَاطِ الْحَنَفِيَّةِ بِالْحَبْسِ مَعَ الشَّاهِدِ لِلْإِعْسَارِ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي عَلَى الْغَائِبِ مَعَ الْبَيِّنَةِ.
قَالَ: وَأَمَّا جَوَازُ تَقْدِيمِ الْيَمِينِ عَلَى الشَّاهِدِ، فَقَالَ: لَا نَعْرِفُ الرِّوَايَةَ بِمَنْعِ الْجَوَازِ. قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ نَقُولَ بِجَوَازِ الْحَلِفِ أَوَّلًا، ثُمَّ تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِمَةُ الْيَمِينِ عَلَى الشَّاهِدِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ، قَالَ: إذَا ثَبَتَ لَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ حَلَفَ وَأُعْطِي، فَأَثْبَتَ الْيَمِينَ بَعْدَ ثُبُوتِ الشَّاهِدِ، لِأَنَّ الْيَمِينَ تَكُونُ فِي جَنْبَةِ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ، وَإِنَّمَا تَقْوَى حِينَئِذٍ بِالشَّاهِدِ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ يَجُوزُ أَنْ تُرَتَّبَ عَلَى مَا لَا تُرَتَّبَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ، فَيَكُونُ مِنْ شَرْطِ الْيَمِينِ: تَقَدُّمُ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ، وَلَا يُعْتَبَرُ هَذَا الْمَعْنَى فِي الشَّاهِدَيْنِ.
[فَصَلِّ وَالْمَوَاضِعُ الَّتِي يَحْكُمُ فِيهَا بِالشَّاهِدَيْنِ وَالْيَمِينِ]
٥٨ - (فَصْلٌ)
وَالْمَوَاضِعُ الَّتِي يَحْكُمُ فِيهَا بِالشَّاهِدَيْنِ وَالْيَمِينِ: الْمَالُ، وَمَا يَقْصِدُهُ بِهِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَتَوَابِعِهِمَا: مِنْ اشْتِرَاطِ صِفَةٍ فِي الْمَبِيعِ، أَوْ نَقْدٍ غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْجَعَالَةِ، وَالْمُسَاقَاةِ، وَالْمُزَارَعَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالشَّرِكَةِ، وَالْهِبَةِ.
قَالَ فِي " الْمُحَرَّرِ ": وَالْوَصِيَّةُ لِمُعِينٍ، أَوْ الْوَقْفُ عَلَيْهِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ وَالْوَقْفَ إذَا كَانَتَا لِجِهَةٍ عَامَّةٍ، كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا يُكْتَفَى فِيهِمَا بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، لِإِمْكَانِ الْيَمِينِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا كَانَ. وَأَمَّا الْجِهَةُ الْمُطْلَقَةُ: فَلَا يُمْكِنُ الْيَمِينُ فِيهَا، وَإِنْ حَلَفَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمْ يَسِرْ حُكْمُهُ وَيَمِينُهُ إلَى غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى جَمَاعَةٌ: أَنَّهُمْ وَرِثُوا دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ، وَشَهِدَ بِذَلِكَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ لَمْ يَسْتَحِقُّوا ذَلِكَ، حَتَّى يَحْلِفُوا جَمِيعُهُمْ، وَإِنْ حَلَفَ بَعْضُهُمْ اسْتَحَقَّ حَقَّهُ، وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ الْوَرَثَةِ، وَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، فَلَوْ أَمْكَنَ حَلِفُ الْجَمِيعِ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ - بِأَنْ يُوصِيَ أَوْ يَقِفَ عَلَى فُقَرَاءَ مَحَلَّةٍ مُعَيَّنَةٍ يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ - ثَبَتَ الْوَقْفُ وَالْوَصِيَّةُ بِشَاهِدٍ وَأَيْمَانِهِمْ، وَلَوْ انْتَقَلَ الْوَقْفُ مِنْ بَعْدِهِمْ: لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ ثُبُوتُهُ بِشَهَادَةِ الْمُعَيِّنِينَ أَوَّلًا، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ وَحْدَهُ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بَعْدَهُ: ثَبَتَ الْوَقْفُ بِشَهَادَتِهِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى مَنْ بَعْدَهُ بِحُكْمِ الثُّبُوتِ الْأَوَّلِ ضِمْنًا وَتَبَعًا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحْكَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute