للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالُوا: وَالْأَسْمَاءُ الشَّرْعِيَّةُ قَدْ تَكُونُ أَعَمَّ مِنْ اللُّغَوِيَّةِ وَقَدْ تَكُونُ أَخَصَّ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ هُوَ أَوْلَى بِالْحَدِّ مِنْ الزِّنَا، فَإِنَّهُ وَطْءٌ فِي فَرْجٍ لَا يُسْتَبَاحُ بِحَالٍ، وَالدَّاعِي إلَيْهِ قَوِيٌّ، فَهُوَ أَوْلَى بِوُجُوبِ الْحَدِّ، فَيَكُونُ نِصَابُهُ نِصَابَ حَدِّ الزِّنَا.

وَقِيَاسُ قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى فِيهِ الْحَدَّ - بَلْ التَّعْزِيرَ - أَنْ يُكْتَفَى فِيهِ بِشَاهِدَيْنِ، كَسَائِرِ الْمَعَاصِي الَّتِي لَا حَدَّ فِيهَا، وَصَرَّحَتْ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ.

وَقِيَاسُ قَوْلِ مَنْ جَعَلَ حَدَّهُ الْقَتْلَ بِكُلِّ حَالٍ - مُحْصَنًا كَانَ أَوْ بِكْرًا - أَنْ يُكْتَفَى فِيهِ بِشَاهِدَيْنِ، كَالرِّدَّةِ وَالْمُحَارَبَةِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ، لَكِنْ صَرَّحُوا بِأَنَّ حَدَّ اللِّوَاطِ لَا يُقْبَلُ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ عُقُوبَتَهُ عُقُوبَةُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ، وَهُوَ الرَّجْمُ بِكُلِّ حَالٍ.

وَقَدْ يَحْتَجُّ عَلَى اشْتِرَاطِ نِصَابِ الزِّنَا فِي حَدِّ اللِّوَاطِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لِقَوْمِ لُوطٍ: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [النمل: ٥٤] وَقَالَ فِي الزِّنَا: {وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: ١٥] .

وَبِالْجُمْلَةِ: لَا خِلَافَ بَيْنَ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَا أَوْ الرَّجْمَ بِكُلِّ حَالٍ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ أَوْ إقْرَارٍ.

وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ حَزْمٍ: فَاكْتَفَيَا فِيهِ بِشَاهِدَيْنِ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا. وَأَمَّا الْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ بِهَا، فَهَلْ يُكْتَفَى فِيهِ بِشَاهِدَيْنِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ: فِيهِ قَوْلَانِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَرِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، فَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْأَرْبَعَةَ قَالَ: إقَامَةُ الْحَدِّ إنَّمَا هِيَ مُسْتَنِدَةٌ إلَى الْإِقْرَارِ. فَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَالْإِقْرَارُ يَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ، وَمَنْ اشْتَرَطَ الْأَرْبَعَةَ قَالَ: الْإِقْرَارُ كَالْفِعْلِ، فَكَمَا أَنَّنَا لَا نَكْتَفِي فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْفِعْلِ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ، فَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى الْقَوْلِ.

يُوَضِّحُهُ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ، فَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ الْمُوجِبُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ، فَالْقَوْلُ الْمُوجِبُ كَذَلِكَ.

قَالَ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَخِيرِ: الْفِعْلُ مُوجِبٌ بِنَفْسِهِ، وَالْقَوْلُ دَالٌّ عَلَى الْفِعْلِ الْمُوجِبِ، فَبَيْنَهُمَا مَرْتَبَةٌ.

قَالَ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْآخَرِ: لَا تَأْثِيرَ لِذَلِكَ، وَإِذَا كُنَّا لَا نَحُدُّهُ إلَّا بِإِقْرَارِ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ، فَلَا نَحُدُّهُ إلَّا بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ عَلَى الْإِقْرَارِ.

[فَصْلٌ فِي إتْيَانُ الْبَهِيمَةِ وَمَا يَجِب فِيهِ أَرْبَعَة شُهُود]

٧٤ - (فَصْلٌ)

<<  <   >  >>