للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَعْظَمَ، وَهُمْ إلَيْهَا أَضَرُّ؟ مِثْلُ حَاجَةِ الْمُضْطَرِّ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَاللِّبَاسِ وَغَيْرِهِ.

وَهَذَا الَّذِي أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ تَقْوِيمِ الْجَمِيعِ قِيمَةَ الْمِثْلِ: هُوَ حَقِيقَةُ التَّسْعِيرِ، وَكَذَلِكَ سَلَّطَ الشَّرِيكَ عَلَى انْتِزَاعِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ فِيهِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي بِثَمَنِهِ الَّذِي ابْتَاعَهُ بِهِ لَا بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ، لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ التَّكْمِيلِ لِوَاحِدٍ، فَكَيْفَ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَإِذَا جُوِّزَ لَهُ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، لَا بِمَا شَاءَ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ، لِأَجْلِ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ الْجُزْئِيَّةِ، فَكَيْفَ إذَا اُضْطُرَّ إلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَلِبَاسٍ وَآلَةِ حَرْبٍ؟ وَكَذَلِكَ إذَا اُضْطُرَّ الْحَاجُّ إلَى مَا عِنْدَ النَّاسِ مِنْ آلَاتِ السَّفَرِ وَغَيْرِهَا، فَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُجْبِرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، لَا بِمَا يُرِيدُونَهُ مِنْ الثَّمَنِ، وَحَدِيثُ الْعِتْقِ أَصْلٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.

[فَصَلِّ فِي البذل والعطاء]

١١١ - (فَصْلٌ)

فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ قَوْمًا اُضْطُرُّوا إلَى السُّكْنَى فِي بَيْتِ إنْسَانٍ، وَلَا يَجِدُونَ سِوَاهُ، أَوْ النُّزُولِ فِي خَانٍ مَمْلُوكٍ، أَوْ اسْتِعَارَةِ ثِيَابٍ يَسْتَدْفِئُونَ بِهَا، أَوْ رَحًى لِلطَّحْنِ، أَوْ دَلْوٍ لِنَزْعِ الْمَاءِ، أَوْ قِدْرٍ، أَوْ فَأْسٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: وَجَبَ عَلَى صَاحِبِهِ بَذْلُهُ بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ هَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهِ أَجْرًا؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، وَهُمَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِ أَحْمَدَ.

وَمَنْ جَوَّزَ لَهُ أَخْذَ الْأُجْرَةِ حَرَّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَطْلُبَ زِيَادَةً عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ.

قَالَ شَيْخُنَا: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ ذَلِكَ مَجَّانًا، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، قَالَ تَعَالَى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون: ٤] {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: ٥] {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} [الماعون: ٦] {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: ٧] قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ: " هُوَ إعَارَةُ الْقِدْرِ وَالدَّلْوِ وَالْفَأْسِ وَنَحْوِهِمْ ".

وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ الْخَيْلَ - قَالَ: «هِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ، فَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ: فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ: فَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا، وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا، وَلَا فِي ظُهُورِهَا» .

وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْهُ أَيْضًا: «مِنْ حَقِّ الْإِبِلِ: إعَارَةُ دَلْوِهَا، وَإِطْرَاقُ فَحْلِهَا» .

<<  <   >  >>